الهوية الجامعة .. تجلّت في قضية الامير علي والكساسبة
د.زهير أبو فارس
11-06-2015 03:18 AM
مناسبة هذا الحديث ترتبط بالجدل والأجواء السلبية التي تظهر وتحتد بين فترة وأخرى، لتعرض المجتمع ووحدته الوطنية الى انتكاسات لا مبرر لها، بل وينحدر – وللأسف- الخطاب، والتراشق بالتصريحات الانفعالية وغير المدروسة، في العديد من الاحيان، الى المستويات الغرائزية، والتي تفتقد الى حضور العقل، وحتى الى الشعور " بالخطر الجمعي" الذي يهددنا، وذلك عند أَي اشاعة أو حدث صغير أو خبر مدسوس ومغرض. وآخرها، ما شهدناه من تداعيات انتخابات "الفيفا"، وموقف رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني خلالها، هذه الانتخابات التي تفاعل معها شعبنا بكافة فئاته ومكوناته وفعالياته الاجتماعية، بل وجميع هيئاته ومؤسساته المدنية دون استثناء، وتماهت مواقف الاردنيين في كافة مناطق الوطن: في المدن، والارياف، والمخيمات، والبوادي، لتوحد مشاعر شعبنا مع الامير الهاشمي علي بن الحسين، كما كان حال الغالبية الساحقة من الجماهير العربية، واصدقاء الاردن في مختلف بقاع المعمورة. وقبلها كانت الوحدة الاسطورية في قضية الشهيد البطل معاذ الكساسبة. أي أن شعبنا يمتلك رصيداً هائلاً من القيم والمواقف النبيلة التي تؤهله ليكون النموذج، خلافاً لما يحاول البعض جرّه الى النقيض الرديء والغريب عن الطبيعة الحقيقية لهذا الشعب الطيب النبيل.
صحيح أن من حقنا جميعاً أن نغصب، ونستهجن، ونرفض مواقف وتصرفات رئيس الاتحاد الفلسطيني، التي لا يمكن فهمها أو تبريرها بأي حال، بل هي مدانة تماما،ً وبأقسى العبارات والاوصاف. لكن الصحيح ايضاً هو أن محاولات البعض توظيفها لاحداث الشرخ والتصدعات في البنيان الوطني، غير مقبول البتة، ولن يسمح لها ابناء هذا البلد العقلاء أن تمر، والذين يختزنون رصيداً هائلاً من الحكمة والتجربة والفطنة السياسية والاجتماعية التي ميّزتهم عبر تاريخهم المشرّف.
إن الاردنيين جميعاً يعلمون علم اليقين أن وطنهم مستهدف تاريخياً من قبل اعداء معروفين، وفي مقدمتهم المخطط الصهيوني، الذي لا يُضْمر خيراً لهذا البلد ، بل ولا يخفون اطماعهم ومخططاتهم التوسعية تجاهه، وينتظرون الظروف المواتيه لتحقيق ما يسعون إليه، وكتاب رئيس وزرائهم الغارق في يمينيته نتانياهو، "مكان تحت الشمس"، يؤكد ما نزعم. كما اثبتت احداث ماسمي بالربيع العربي، أنّ منْ يريدون لهذه الأمة شراً، لا تحركهم القيم والعواطف، بل يتصرفون ضمن سياسات مرسومة بدقة وعناية، وتنفذ باجندات عملية وزمنية، بما يخدم مصالحهم الاستراتيجية. والذكي من يستفيد من اخطاء غيره، لا أن يمر في الخطأ ليتعظ، عندما تصل الامور الى حالة اللاعودة. وفي هذا الاطار، واضح أن هناك من يسعى جاهداً لخلط الاوراق، وينفخ لتأجيج نيران الفتنة والصراع بين ابناء الوطن الواحد، والاهل، الذين تربطهم وحدة التاريخ، والعيش المشترك، والدم، والمصير، والخطر الواحد.
وأصحاب الفتنة هؤلاء لا ينتمون الى أصل أو مكون معين، وتجمعهم فقط مصالحهم وصراعهم من أجل الاستحواذ على المكاسب والسلطة والثروة. أما الغالبية الساحقة من هذا الشعب الطيب المكافح من أجل الحياة الحرة الكريمة ( ومن كافة اصولهم ومنابتهم)، فتجمعهم المعاناة من ضيق العيش، مع الوفاء الحقيقي لهذا الوطن، والتمسك بترابه، والاستعداد اللامحدود للتضحية من أجله، والالتفاف حول نظامه السياسي بصدق وقناعة، وهم الأقدر دائما على حمايته في كل الظروف والأحوال (الوطن والنظام).
إن شعبنا على دراية بأن مجموعة اصحاب النفوذ والثروة والمكاسب يديرون عملية تضليل مبرمجة لواقعنا، والاهم لوعينا، وتشويه الصورة البهية لتنوعنا الذي يشكل مصدر قوتنا، واقناع البعض من مكون اجتماعي معين أنّ معاناته ومشاكله وظروفه المعيشية سببها اخوته من بسطاء المكونات الأخرى، مع أنهم، في المحصلة، ضحايا حقيقيين لبعض أصحاب النفوذ والثروة العابرين للمكونات المجتمعية.
ويبدو أَن "مجموعة التأزيم" ايّاها تدرك أن الابقاء على هذا الواقع مرهون بقدرتها على الاستمرار في ايجاد وتكريس حالة من الصراع والانقسام بين مكونات الكتلة الجماهيرية من البسطاء والمحرومين والمهمشين، بل ويسعون، إلى عرقلة مسيرة الاصلاحات الشاملة.
وأخيراً، فأن الطريق الصحيح للخروج من هذه الأزمة المفتوحة على مختلف احتمالات التطور، وفتح نوافذ نحو افق جديد يتطلع إليه شعبنا بكافة فئاته ومكوناته وقواه الحية، وحمايه بلدنا، وتفويت الفرص على اعدائه، في بث بذور الفرقة والفتن بين ابناء الوطن الواحد، يتطلب الاسراع في الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي توصلنا الى الهدف الذي يلقى توافقاً ملحوظاً، وهو بناء دولة المواطنة الحقيقية، التي يسودها العدل والقانون والمساواة، تحت خيمة الهوية الاردنية الجامعة والمُوحِّدة.
كما أننا مطالبون جميعاً بالارتقاء بوعينا ومواقفنا وتحركنا على الارض الى مستوى الأحداث وحجم التحديات الهائلة التي تواجه بلدنا ومجتمعنا ومستقبل اجيالنا خارجياً وداخلياً، وبخاصة وأن الاخطار تحاصرنا الساعة من كل اتجاه. ولا يعقل أن نبقى غارقين في غيّنا، نتلهى بصراعات ومناكفات تافهة، في الوقت الذي تكاد فيه النار أن تصل الى بيتنا المشترك (!).
Dr.zuhair@windowslive.com