الراية الهاشمية التي سلمها جلالة الملك عبدالله الثاني للجيش العربي ( وهذا اسمه منذ التأسيس ) هي راية الأشراف الهاشميين الذين توارثوا إمارة الحرمين الشريفين منذ عهد محمد أبو نمي الثاني ( 1524-1632 ) حتى ما بعد انتهاء الثورة العربية الكبرى بسنوات. كانت مرفوعة فوق المقر الرسمي لأمير الحجاز وترافقه في التحركات الرسميّة مع العلم العثماني… حينما تسلم الحسين بن علي بن عبدالله آل عون أمارة مكة عام 1908 بعد خمسة عشر عاما من النفي في اسطنبول. وجد أن أسلافه قد ضيعوا الكثير من حقوق وواجبات الأمير لصالح حزب الاتحاد والترقي الذي استولى على الحكم في الإمبراطورية العثمانية. أعاد للراية الهاشميَّة الكثير من حقوقها قبل أن يأتيه رسل الثوار من بلاد الشام والعراق ومصر يطلبون حكما ذاتيا للبلاد العربيّة داخل الإمبراطورية بعد مشروع التتريك الذي بدأه العثمانيون الجدد في زمنهم… تسارعت الأحداث مع مراسلات مكماهون الشهيرة وانضمام الدولة إلى ألمانيا في الحرب العالميّة الأولى… هناك أكثر من أب لراية الثورة العربيّة الكبرى التي أصبحت علم حزب البعث والعلم الفلسطيني فيما بعد. ولكن أغلب المصادر تنسبها إلى المتنوّرين الأوائل في المنتدى العربي باسطنبول الذين استوحوا ألوانها من قصيدة الشاعر العراقي صفي الدين الحلّي ( 1276_ 1349م ) يقول فيها:
سلي الرماح العوالي عن معالينا
واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا
بيض صنائعنا سود وقائعنا
خضر مرابعنا حمر مواضينا
تسلّم الراية الهاشميّة في ساحة قصر الحسينية العامر جنديان وضابط من الجيش العربي ( القوات المسلحة الأردنية )… مذيع التلفزيون للحفل لم يخبر المشاهدين بدلالة الشماغ المقلوب على رؤوس الرجال الملثمين به… اكتفى الرجل بقوله إنهم تلصموا ولهذا العرف دلالته عند الأردنيين… معروف جدا أن اللثام عند الأردنيين الأوائل دليل غضب المتلثّم الذي يريد إخفاء خلجات وجهه الغاضب حينما يقابل الآخرين. أو يجالسهم في مجلس عام. ولهم لازمة يردّدونها بتلك الحالة… اكفي شرك علامك متلصّم … أقبل علينا متلصّم ما ندري وش بلاه… لبس الشماغ بالمقلوب يضيف للغضب حالة الاستفزاز والاستنفار القصوى… حينما بدأت بازارات الوحدة والحريّة والاشتراكيّة مقابل الرجعيّة ( كما هي شعارات ذلك الزمن ) في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي ضجت شوارع المدن الكبرى ( خاصة عمان ونابلس والقدس والزرقاء ) بالحزبيين من كل شكل ولون ينادون بشعارات راديو صوت العرب من القاهرة … بدأوها بالمظاهرات وانهوها بحرق الدوائر الرسمية… بنفس الوقت أغلقت حدودنا مع سورية والعراق وظهرت طلائع الجيش السوري في ام القطين… توقف نقل البترول المكرّر من الظهران بعد أول طائرة. فانتظم الأردنيون بطوابير على الكازيات للحصول على رطل كاز ( كان يباع بالوزن ) فقط لإنارة البيت الذي لم تصله الكهرباء… حينها غادرت بعض وحدات الجيش العربي خنادقها على خط الهدنة مع إسرائيل ووصلت إلى المدن الكبرى والحدود الشمالية ترتدي الشماغ المقلوب وقد تلثم رجالها حتى ما فوق الأنف… لتعيد النظام والأمن للشارع والبيت وباقي تراب الوطن… مررنا بشدائد مماثلة وقلبنا الشماغ وتلثمنا أكثر من مرّة… ولم نزل صامدين نحاذر الخطر من جديد نقلب الشماغ ونتلصّم…
العرب اليوم