مسكين أخناتون، هو اليوم متهم بأبشع تهمة يطعن بها الرجال، وأي رجل يعتد برجولته مستعد لدفن نفسه حيا ولا يسمع ترهات تشكك في رجولته. فقد خرج علينا أحد "الخبراء" - بعد فحص مستفيض وبحث عميق- بنظرية تفسر غرابة شكل أخناتون، ليقرر وبعد أكثر من 3500 عام على موت هذا الفرعون أنه لم يكن بكامل رجولته وأن تلك الصفات التي يحملها ما هي إلا حالة مرضية قد يختلط بها حابل الهرمونات بنابلها وأن لديه من الهرمونات الأنثوية بما لديه من الذكرية ......
في الواقع أن شكل أخناتون كان محمل جدل منذ زمن طويل ولكن أيا من التفسيرات ما كانت لتحمل طرحا مبطنا كهذا الإدعاء،وأعتقد أن د. زاهي حواس يضرب الآن أخماسا بأسداس ويتوعد كل من ينال من سمعة أجداده الفراعنة،نعم فقد كانت جميع التماثيل والرسومات التي خلفتها الحضارة الفرعونية تشير إلى أن أخناتون كان ممشوق القوام وذا أرداف مكتنزة و مكورة و قفص صدري بارز وأنامل دقيقة وطويلة،وعيونا لوزية تتوسط وجها بيضاويا وبالرغم من تلك الصفات ومما لها من دلالات أنثوية إلا أن الفرعون كان يظهر دائما شبه عاري ويمد يديه الطويلتين نحو الشمس الآلهة ولم يحمل نفسه يوما عناء ستر عيوبه (إن كان يعتبرها عيوبا في المقام الأول).
إن من يراجع سيرة حياة أخناتون وفترة حكمه التي امتدت إلى سبعة عشر عاما يكتشف أن الرجل قد يكون مظلوما وبريئا من مثل هذا الإدعاء ولا أدري إن كان زواجه بأجمل جميلات عصره يشفع له ويبرئ ساحته، فمن منا لم يسمع بالملكة نيفرتيتي تلك الفاتنة السمراء ذات الملامح النوبية الدقيقة التي كانت وما زالت تشكل مقياسا للجمال إلى يومنا هذا .
ولا ينكر أحد من علماء الآثار أن أخناتون لم يكن (قليلا أبدا) و فعل الذي لم يفعله غيره من الفراعنة الذين سبقوه و خرج عن المألوف في كثير من القرارات التي اتخذها. فقد استحدث آلهة جديدة غير تلك التي كانوا يعبدونها وألغى دور الكهنة المتنفعين رغم نفوذهم ودورهم الكبير في تلك الأيام، كما أنه غير العاصمة القديمة وقلل من شأنها ونقل مقره ومعابده الى مكان آخر وكأنه يمحي ذاكرة زمان قديم يطارده ويبدأ تاريخا جديدا يصنعه وحده. ليس هذا فقط ، فقد نصب نفسه وسيطا وحيدا بين العبد و(آتون )الهة الشمس ولم يعد هناك من يشاركه هذا المقام (والكلام هنا له والإقرار لمنافقي زمانه).
هناك من يجادل ويقول بأن أخناتون كان على علم بما لديه من خلل في تركيبة جسده وأنه استغل تلك التركيبة المزدوجة(أو ذاك الخلل) لمصلحته فقد ادعى بأنه كان يمثل الشمس الالهة على الأرض والتي كان يرمز لها بأنها أم وأب للبشر في آن واحد، وبهذا فإنه وبدون شك يشارك الآلهة بتلك الصفات المزدوجة.
يقال أيضا أن أخناتون عندما مات ارتد الكثيرون لآلهتهم السابقة و ثار جميع الكهنة وحطموا مدينته المزعومة وآثارها بل ومحوا اسمه عن أماكن عديدة شيدها وحملوا أنفسهم وما تبقى في ذاكرتهم وعادوا الى عاصمتهم السابقة طيبة.
لا أخفيكم أن قضية هذا الفرعون استرعت انتباهي بالرغم من أنني لست من المهتمين بالحضارة الفرعونية كثيرا (وليس في هذا ما يعيبها)، ولم تكن تلك الزيارة لمتحف الآثار بالقاهرة ذات يوم صيف حار و مزدحم جاءت لتزيد من قليل الشغف ذاك، كما أنني أكتفي في كثير من الأحيان بما يجود به الفن السابع الغربي من قصص وأساطير تعمق سر تلك الحقبة التاريخية الغابرة، غير أن ما أثار اهتمامي فعلا بهذا الموضوع هو تشابه قضايا الكون مهما امتد الزمان أو تطور الإنسان، وكيف أن هناك دائما أخناتون ما في مكان ما ،تسربت إليه لعنة الفرعون من بين ثنايا مومياءته كعدوة مقيتة، ليهبط بها أينما شاءت الأقدار في ليلة وضحاها ليغير الأماكن والأسماء والتاريخ ويغطي عيوبه بتوظيفها وكأنها امتيازات.وما أكثر أخناتونات زماننا و ما أكثر عيوبهم.