الأزمة التي تعصف بالصحافة اليومية لا تستثني واحدة من هذه المؤسسات، حيث إن جميع هذه المؤسسات تعاني من أزمات متفاوتة، ذروتها في الدستور، لأن الدستور الأكبر والأقدم ومسؤولياتها أكبر، وما زالت هذه الأزمة تعصف بأركان هذه المؤسسات منذ سنوات دون أن تحرك الدولة ساكناً، بحجة أن هذه المؤسسات هي شركات مساهمة ولا علاقة للدولة بها، وهنا يكمن الخطأ، حيث إن الدولة ذاتها والتي تقول اليوم إن هذه المؤسسات شركات مساهمة هي التي حولتها من شركات خاصة إلى مساهمة غصْباً في نهاية الثمانينيات، حيث قررت الحكومة آنذاك أن تدخل إلى هذه الصحف من خلال الضمان الاجتماعي، ليكون للدولة موطىء قدم في هذه الصحف.
ومضى الحال أكثر من ثلاثين عاماً على شراكة الدولة في الصحف، وتملك الحصص الأكبر فيها، وعندما لاحت الأزمة في الأفق حذّر الجميع من تعمقها، دون جدوى، واستمرت هذه الصحف في أداء واجبها الوطني حتى اليوم، دون كلل أو ملل، والدستور بالذات صرفت مئات الملايين أثمان ورق ومدخلات إنتاج ورواتب صحفيين وعاملين، كل هذا كان خدمة للدولة وأهدافها، وعندما وقع المحظور تخلّى الجميع عنها، وبدأ التنظير الفارغ بأن هذه الشركة يجب أن تداوي جراحها بنفسها حيث إنها شركة مساهمة عامة،وكأن الملكية الأردنية ليست شركة مساهمة يملك جزءا كبيرا من رأس مالها أناس غير أردنيين؟!! حيث دُعِمت بمائة مليون دينار مباشرة من الخزينة، أو دعم هيئات مستقلة بمئات الملايين دون جدوى!!
ونسي هؤلاء أن الصحافة اليومية مفصل هام في منظومة الدفاع الوطني، وأن الدول التي تحترم نفسها تحترم صحافتها وتحافظ عليها، لقد غطت ملايين الدولة كل أركان الجغرافيا الأردنية، ودعمت مباشرة مؤسسات كثيرة بحجة أن هذه المؤسسات جزء من استراتيجية الدولة، إلا الصحافة، ما زالت تعاني من جراحها وأزماتها لوحدها، ومطلوب منها أن تبقى واقفة ومستمرة في دورها.
المُتتبع والمُتفحِّص لصفحات الجرائد، وخصوصاً الدستور، يجد أن أكثر من 70% من هذه الصفحات تتمدد عليها أخبار الدولة ومعالجات تصبُّ في الهدف العام لهذه الدولة، بل ودافعت الدستور على مدار خمسين عاماً عن الدولة، وفي عام 1970 عندما كانت الدولة تترنّح تحت وطأة الفتنة، كان أبناء الدستور يتلقون الرصاص بصدورهم ليحافظوا على صدورها وليدافعوا من خلالها عن الدولة الأردنية، ووجودها. وهذه حادثة الزميل المرحوم الأستاذ محمد الجيلاني ما زالت ماثلة في التاريخ في مبنى الدستور القديم، وفي كل الأزمات التي واجهت الدولة الأردنية كانت الصحافة الأردنية، وفي مقدمتها الدستور، رأس حربة، ضد خصوم الدولة، الذي نرى اليوم معظمهم يتصدرون مؤسسات الدولة وكأنهم قد كوفئوا على مواقفهم، وتمت إدارة الظهر للصحف بحجج واهية. ونحن هنا لا نمنّ على دولتنا بل نذكرها، إن نفعت الذكرى.
عندما طالبْنا في الدستور عشرات المرات بأن يتم إنقاذ هذه المؤسسة لم نكن نستجدي، بل كنا وما نزال نطالب بحق هذه المؤسسة بأن تدعم وأن يتم الحفاظ عليها وعلى كرامة الزملاء فيها، ليظلّوا جنوداً لهذا الوطن، ولكن إلى متى سيبقى الحال على ما هو عليه، جحودا ونكرانا، ولا مبالاة، والسفينة تتلاطمها أمواج عاتية.
إننا اليوم لا نستجدي بل نطالب بحقنا بأن تقف الدولة معنا، وأن تعالج جراحنا، لأننا جزء منها، وكنا وما زلنا لها، أما أن تبقى الأمور على حالها فهذا أمر مستحيل قبوله، لأن الزملاء لهم طاقة في تحمل الجحود وإدارة الظهر من قبل هذه الدولة، التي كما قلنا في البداية وقفت مع الجميع إلا الصحف، التي تشكّل ركناً أساسياً في بنيانها، فلا يلومنّ أحد الزملاء على أي تصرف مهما كان، ولا يعاتبنا أحد على أي سلوك قد نمارسه دفاعاً عن حقنا في الوجود، ونحن نرى أعطيات الدولة توزع هنا وهناك، وفي كثير من الأحيان دون مبرر. وهنا نذكّر بالقول المأثور: كيف بمن يرى حقه يذهب هدراً أن لا يخرج شاهراً سيفه على الناس.. ولقد علمنا الهاشميون ان نأخذ حقنا من فم الأسد ولو كان في وسط النار...
من قام يهتف بمجد هذه الدولة قبلنا، ومن يستطيع أن يزاود علينا في مواقفنا التي يعرفها القاصي والداني، والتي دفعنا ثمنها باهظاً من أعمارنا وعرقنا، في خدمة هذه الدولة، التي تقف اليوم منا موقف المتفرج، بل وربما الشامت. إننا نسأل اليوم أين عقل الدولة، وأين رشدها في هذا الموقف غير المفهوم؟
لقد دوّت صرخة الدستور في الأسبوع الماضي في كل الأردن، بل وخارجه، وتلقينا آلاف الاتصالات من كل المتعاطفين مع الدستور إلا من أصحاب الشأن الذين لم يبادر أحد منهم حتى ولو بكلمة تطمين أو سؤال، الأمر الذي دفعنا أن نشعر وكأننا نستجدي. إننا نؤكد أننا لا نستجدي بل نطالب بحقنا بأن تكون دولتنا معنا في هذه الأزمة، وأن تساعدنا في تجاوزها، حتى لا نضطر أن نهتف أمام الدستور بشعر عرار:
عمّان ! عمّان إنّ الكوخ قد عصفت ...
به الرياح فلستُ اليوم عمّاني!
ومع كل هذا الجحود وهذه اللامبالاة ما زلنا نأمل من الله تعالى أن يجري الفرج على يدي جلالة الملك ولا أحد غيره.
عن الدستور