"اولاد ال .. !!!" بين العاصفة و الفوضي الحكومية
د.عبدالفتاح طوقان
18-03-2007 02:00 AM
فيلم "العاصفة" للمخرج "خالد يوسف" فاز بالجائزة الذهبية لمهرجان القاهرة السابع للإذاعة و التلفزيون ، ، كما فاز "خالد يوسف" بجائزة أحسن مخرج ، و "يسرا" بجائزة أحسن ممثلة عن " العاصفة " ، و خالد يوسف مهندس مدني عمل مساعدا للمخرج المصري العالمي يوسف شاهين .و منذ عشر سنوات تقريبا كنت ادير حوارا في سينما جاليريا بعمان حول فيلم العاصفة بحضور المخرج خالد يوسف و الممثلة يسرا و الفنان هشام سليم و بحضور جمهور مكثف دعي لحضور الفيلم بالاضافة الى ممثلي الصحافة المحلية و العالمية و التى قام بالترتيب لها حسام العموري مدير سينما جاليريا في عبدون.
ضمن الحوار لفت الانتباه قول المخرج المهندس خالد يوسف ان اي فيلم اخرجه هو محاولة للاجابة على سؤال مهم حول هموم الناس عامة ، يمعنى هل تستطيع ان تعيش السينما بعيدا عن هموم الناس ؟ و الاجابة هي بالطبع لا .
الهموم كل يوم تزداد و تكبر و انا اري ان الموقف الشعبي "ضد الحكومة " و ضد كل حكومة يجب ان يستمر لنشعر الحكومات دوما ان هنالك رقابة شعبية عليها . و لن نتوقف عن الوقوف "ضد الحكومة" انطلاقا من حبنا لمصر . هذا الموقف "ضد الحكومة " هو الذي يجعلها تتنبه لما تفعل و ان تعرف ان الخطاء غير مقبول ."انتهى الاقتباس".
هنا دوت القاعة بالتصفيق و انتهى اللقاء و تفرقنا ، و لكن بقى مصطلح "ضد الحكومة" عالقا في الاذهان.
و يوسف شاهين "جو " الاستاذ والمخرج العالمي في تصريحاته لوكالة الابناء الفرنسية 17 يونيو 2005 قال انه لن يساهم للمرة الخامسة في انتخابات مزورة و لاتلبي رغبات الشعب المصري الذي يعيش حالة مرعبة من الخوف في ظل انظمة الطواريء التى تحكم مصر و شعب مصر ،و الوضع الاقتصادي المتردي " و قال ايضا انه "لن ينتخب الرئيس حسني مبارك و لا رئيس حزب التجمع " و وصف التعديلات الدستورية بأنها مفصلة على مقاس الرئيس "مبارك " و شارك في مظاهرات "كفاية " و دعا الفنانيين للمشاركة ضد الانتخابات المزروة .
و في حديث جانبي معه في سياراتي و انا متوجه الى مكتبه الاسكندرية لحضور احتفال خاص قال لي "المطالبة بالتحديث و التغيير و التطوير لحياة افضل يجب الا يقف امام اي شيء في عالمنا العربي ، لن يحبطنا "اولاد ال..... " ،و سنبقى لاخر لحظة اوفياء لمصربلدنا و امتنا العربية و لكل منا دور في الحياة عليه ان يكون مؤثرا من خلاله ايجابيا في المجتمع الذي يعيش فيه ، لا رقما صفريا هامشيا. هنالك حالة غضب شعبي ، علينا ان نترجمها في حياتنا ، و نجد لها حلولا ." انتهى الاقتباس .
و توقفت السيارة و نزلنا من السيارة ليستقبل "جو" بعاصفة اخرى من التصفيق في الشارع من اصدقائه القدامى و مريديه و محبي افلامه . عدت الى الفندق و كتبت الملاحظات التى حفرها "جو" بصدقه ووطنيته في دفتري و عقلي .
لم يتهم احد خالد يوسف بانه مخرج فاشل او مهندس لم بعمل في الهندسة ،و لم يطالبه احد بفتح محلات فيش اند شيبس ، و لم يمنع من دخول مصر و لم يقل له احد عد الى الهندسة و اترك السينما .
لم يقل احد ليوسف شاهين اصمت لان رئيس وزراء مصر هو افضل رئيس اتى ، و لم يطالبه احد بالرحيل الى امريكا حيث قصته و فيلمه الشهير "اسكندرية ليه " ، و لم ينعته احد بوصف سيء .
بل كان ضيفا على الفضائيات المصرية و اللبنانية و العالمية و تحدث عن ضرورة التغيير في المنهج الحكومي و الرئاسي في اكثر من لقاء .
تلك الصورة الوطنية في التعامل مع الحدث و القضية ، بغض النظر يتفق معها او يخالفها البعض ، تعطي ملامح نموذج و فكر حر يحترم في منطقة من عالمنا العربي و تظهر كيفية تقبل الاختلاف في الرأي مهما كان قاسيا .
ولقد قوبلت كلاماته و تعابيره بموده الوطنية ذات"الرأي و الرأي الاخر" و التى تبتعث من وجدان مصر و تترجم في اعمدة صحفها و افلامها الناقدة للحكومة و السياسة ، و لم تخلوا الافلام المصرية من انتقاد السلطة و اجهزتها الى يومنا هذا و بعد اعادة انتخاب الرئيس مبارك .
يوسف شاهين استمر في الاخراج و خالد يوسف الذي طرده يوسف شاهين ثلاث مرات من العمل حسب تصريحاته عاد اليه مرة اخرى مخرجا منفذا في فيلم "هي فوضى " من بطولة هالة صدقي و هالة فاخر. المهندس خالد يوسف هو الاخر اخرج افلاما جريئة تحمل هما وطنيا و كلاهما لا يزالا يحصدان الجوائز بالرغم من تصريحاتهما هنا و هنالك "ضد الحكومة". و بالرغم من وجود تيار مؤيد للحكومة . الخلاف لا يفسد للود قضية ـ و تلك حلاوة الاختلاف في اجواء من الراحة الاعلامية و الامنية .
لقد غاص الاستاذ "جو" في قلب مصر بماضيها و حاضرها ، و لذلك كان طبيعيا ان تثيره حالة الفوضى و التى يعتبرها البعض عارمة و اصابت المجتمع المصري في سنواته الاخيرة. و بالتالي كان فيلمه "هي فوضى" .
هذه نماذج لتيارات حية من عالمنا العربي تحاول التغيير من خلال الكلمة و الفن و المشهد و القصة و الحوار و تدعمه بالفكر و الكلمة و لا يحبطها "اولاد ال.......!!!!".
درس تعلمته من اثنين احترمهما و اقدر اعمالهما ضمن كثيرين يشاركوني الرأي في اهمية انجازتهما و اعمالهما الكبيرة على الشاشة ، و هما الاستاذ الذي تجاوز الثمانيين و التلميذ النجيب .
لقد كان لي فرصة التواجد معهما سويعات لكنها كافية لحث الهمم في مواجهة" اولاد ال....!"، المتواجدبن في شتى انحاء عالمنا العربي، هدفهم الوحيد "الاحباط" و الدفاع المستميت عن اولياء نعمتهم من خلال اموال الشعب المستباحة و البقاء في مناصبهم لاجل .
لن يحبط "اولاد ال......" احد لا في مصر و لا في غيرها ، و مغزى و تأثير " ضد الحكومة " كما قالها خالد يوسف في عمان بالاردن و فيلم " هي فوضى " للمخرج العالمي "جو" هي علامات مضيئة نحو التغيير في المجتمعات .
دور السينما يمتد و يبقى و فكر الاساتذة يتغلغل لتلاميذ الحياة ويتفاعل عبر البحار و المحيطات .انه علاج شاف لا مراض المجتمعات و الحكومات الفوضوية ، لا خمر قليله يفرح القلب.
aftoukan@hotmail.com