في مقالي السابق طرحت سؤالا «هل نحن قادرون على الاعتماد على الذات ؟» أجبت في آخر المقال «نعم» فاتصل بي صديق يسألني «كيف ذلك من دون أن تتوفر لنا عناصر الاكتفاء الذاتي ؟» فقلت على الفور الاعتماد على الذات شيء، والاكتفاء الذاتي شيء آخر، يختلف معناه بالنسبة للفرد عن معناه بالنسبة للدول، وفي الحقيقة ليس هناك اكتفاء ذاتي بصورة مطلقة، ولكن هناك اكتفاء ذاتي اقتصادي نسبي تسعى إليه الدول حسب مواردها الطبيعية وقدراتها البشرية والمالية.
وقد يكون الاكتفاء الذاتي في بعض الدول مؤشرا على التخلف، كما هو الحال لبعض الأقاليم التي تعيش اقتصاد الكفاف، فهي لا تصدر ولا تستورد، وتعيش على ما تنتجه كثيرة أو قليلة، وفي غياب الحد الأدنى من الخدمات، أو المقومات اللازمة للدولة العادية، ولكن المتفق عليه هو الاكتفاء الذاتي النسبي، الذي هو عملية اقتصادية تهدف إلى تقليص اعتماد الدولة على علاقاتها الخارجية في تلقي المعونات والمنح والقروض، بما يحقق مبدأ
التوازن والتحرر من القيود والشروط، والتبعية في اتخاذ القرار الوطني.
لقد خاض بلدنا الأردن تجربة مريرة في مسألة المعونات الخارجية والمنح، والسبب في ذلك غياب الثقة بالذات، وبالتالي عدم التفكير في الاعتماد على الذات، وقد سمعنا على مدى عقود طويلة من يقلل من قيمة مخزوننا من الفوسفات، والبوتاس، واليورانيوم، والصخر الزيتي، واختلف الخبراء حول ما إذا كنا نملك ثروة نفطية، أو مخزونا هائلا من المياه الجوفية، فبعضهم يحلف الأيمان بأننا نملك تلك الثروات، والآخر يسخر من هذا كله، فأين الحقيقة ؟
ولا أتردد في القول إن للاكتفاء الذاتي مخاطره، وربما آثاره السلبية في عصر العولمة والتجارة الدولية، والنظام الاقتصادي القائم، لكن الاعتماد على الذات مطلب ضروري، يزيد من قيمة ومكانة الدولة في محيطها الإقليمي والدولي، بل ويعزز من أمنها واستقرارها، واحترام الآخرين لها، ونحن مطالبون اليوم بتحديد عناصر الاعتماد على الذات، والسعي إلى تحقيق ما يمكن تحقيقه على مراحل، وفق إستراتيجية طويلة الأمد، ولكنها ثابتة لا تتغير بتغير الأشخاص أو الحكومات !
الرأي