طارق عزيز .. وجه العراق الذي هوى
د.مهند مبيضين
08-06-2015 12:29 AM
بموت طارق عزيز، بعد معاناة طويلة في سجون الاحتلال أولا ثم في سجون الحكم العراقي في حقبة ما بعد صدام، يطوي ملفا كبيرا، وسيرة شامخة لأحد شوامخ المجد العراقي في زمن الشهيد صدام حسين.
لم يكن طارق عزيز مجرد وزير خارجية يحمل حقيبة الدبلوماسية العراقية وحسب، بقدر ما كان سيداً من سادة العراق المجيد، عراق الثورة وعراق العروبة وعراق العرب والكفاح ضد إيران.
لو جُمعت كل سير الخارجية العربية ووضعت في ميزان خبرته لرجحت كفة أبي زياد، ذلك أنه لم يبخل على العراق بشيء ولم يقبل أن يؤتى الرئيس الراحل حسين بشيء من قبله، فظل وفياً للسيد الشهيد وللعراق الذي استحق فيه الموت بعد أن عانى كثيراً.
كان طارق عزيز، حاضراً في المحافل الدولية والعربية، ابدع في المشهد العربي والعراقي والعالمي، لم يشأ أن ينقلب على رئيسه برغم كل المغريات وظل وفياُ حتى وطأت أرضَ العراق أقدام الاميركان ثم الفرس ليواجه بعدها مصيره الذي انتهى به في سجن الناصرية.
وسيبقى طارق عزيز، حاضراً في التاريخ العراقي، وفي سفر الرجولة والوفاء والبر بالأوطان، سيبقى لأن غيره ممن جاءوا وزراء خارجية في زمن الاحتلال وما بعده، قليلٌ ذكرهم أو أنهم بالكاد يذكرون، سيبقى لأن العراق حين كان فيه سيدٌ مثل صدام كان ينطق بالعروبة وصوتها المجلجل، وكان ينادد إيران المجوسية، وسُيذكر طارق عزيز بين الأبطال والقادة؛ لأنه لم يعرف كيف يخون قائده أو وطنه، ولأنه أبى التوسل والتذلل، وظل شامخا حتى الوفاة.
فهنيئا للعراق رجاله الاوفياء، وهنيئا لاسرة طارق عزيز هذه السيرة الندية والعطرة وهنيئا للعروبة والمسيحية والإسلام هذا الطود الذي هوى وهوت وراءه فصول الدبلوماسية والحضور العراقي المشع.
نعم، رحل طارق عزيز مليئا بجراح وطن ممزق، وطن مكلوم ومسلوب، وطن بيعت فيه الكرامة في سوق النخاسة، وطن اكتوى بنار المقاولين والمتشددين، وطن كان عين الدينا واليوم هو أنموذج للفوضى والانفلات.
طارق عزيز رحل وقد علمَ الجميعَ درساً يوم كانت اميركا تنوي ضرب العراق، بأن العراق لا يهدد ولا يستباح، وخرج مرفوع الرأس، من كل الجولات والمباحثات مع الساسة الاميركان، وها هو اليوم يوارى الثرى في عمان التي لم تغلق بابا في وجه أي حر أو حرة عراقية، فسلام على روحك يا أبا زياد وعلى العراق السلام...
«يا عراق هنيئاً لمن لا يخونك
هنيئاً لمن إذ تكونُ طعيناً يكونُك
هنيئاً لمن وهو يلفظ آخرَ أنفاسِه
الدستور