أعترف بالهروب من الوضع السياسي الخارجي المليء بالدم والكذب.. والسياسي الداخلي المليء بالقهر و شدّ الأعصاب.. قلّما أنجح.. وللصدق أكثر لا أنجح إلاّ عندما ألجأ للمرأة.. بدلعها وولعها وبردها و نردها ..!
سأتوقف اليوم عند صوت المرأة.. عند جرس حروفها وهي تناديك .. عند أمّك وهي تغرف من حنانها المعتّق و تدزّه عليك مع كل حرف من حروف مناداتها لك.. تشعر أنك ما زلت الطفل الغارق في حضنها ولا تريد أن تستيقظ مرعوباً ؛ بل مسلوباً لحلمك بأن تكبر و تصبح شيئاً يغيّر الدنيا ولا يتغيّر.
أو صوتُ حبيبتك .. وهي تُرقرق حروف اسمك حتى تكاد تذوب و يغدو اسمك بلا حروف ..أو صوت أختك وهي تخاف عليك وتناديك لكي تُنقِص من كميّة وجعك و ترميها في البحر ؛ والبحر يعيد أضعاف الكمية إليك متواطئاً مع كل شيء..!
نانسي عجرم مثالاً ..لا أحب كلمات أغانيها كثيراً..ولكني لا أنكر حضورها.. لها أغنية اسمها «شيخ الشباب» عندما تؤديها وتصل في نهاية (الكوبليه) إلى الحرف الأخير الياء (قوي؛ مستوي؛ كوي) فإنني أكاد أنهار شغفاً ..لأن نانسي تلفظ الياء بطريقة لا أعرف ما يسمّيها أهل اللغة و الصرف ..نانسي ترقرق الياء لدرجة تقع بين الدلع و الولع ..تظنّ أحياناً أن الياء في (أوي و كوي) غير موجودة لتكتشف أن ملحها موجود وعسلها موجود وكل إغراءتها تتوثب للانقضاض عليك ..!
لماذا لا يوجد مثل هذا السحر في صوت الحكومات..؟؟ لماذا لا ترقرق لنا حروف علّتنا؛ بل تصرّ على تفخيم علّتنا..؟؟ لماذا وهي الحكومات لا تأخذ دروساً عند نانسي في كيفيّة (تشغيف) الشعوب ..؟؟
نانسي استطاعت أن تستقطب إليها عشرات الشعوب العربية وغير العربية ..و حكوماتنا لا تستقطب إلا مجموعة من المنافقين و المطبلين و الذين يترنّمون على صوت الحكومة و الحكومة لا تتكلّم ..!
آه يا نانسي ..و يا كل شبيهاتها من النساء ..جرس أصواتكنّ (يكوي كوي) ..! أنتن حكوماتي كلها..فنحن شعوب باحثة عن الحنان فقط..!
الدستور