هناك مثل شعبي لا تخلو منه لغة، ودلالته المتكررة هي ان الطبع يغلب التطبع، او ان الطلاء الهش سرعان ما تذيبه الشمس، وبالنسبة للفرنسيين فإن المثل الشائع لديهم هو ان من يكشط الرخام يجد تحته الطين، وبالنسبة للروس فإن السلافي يقع تحت قشرة الروسي، والسبب في استذكارنا لهذه الامثال هو اما نراه في عالمنا العربي الذي استغرق منذ اعوام في حفلة تنكرية تعددت اسماؤها لكن المحتوى واحد، فمن كان ليبراليا لا يكف عن الثرثرة حول فضائل الليبرالية، سرعان ما سقط عن وجهه القناع وعاد الى الطائفة، وكذلك الماركسي والقومي، فالمعادن عندما تُختبر بالنار او بالحجر الكاشف تظهر على حقيقتها بحيث يكون الذهب ذهبا والقصدير قصديرا.
ما نسمعه عن ماركسيي الامس يثير فينا القشعريرة، لأن بعضهم استدار مئة وثمانين درجة وعاد الى عادته القديمة، واصبح كاثوليكيا اكثر من البابا، وطائفيا اكثر من شيخ الطائفة.
اما القومي الذي اصابنا بالصداع والغثيان لفرط ما بشّر بالقومية وحذّر من القطرية والطائفية فقد تقدم بطلب انتساب جديد الى الطائفة واعتذر عما اقترف من افكار تبدلت كالثياب الداخلية.
وان كان لهذا الجحيم العربي من اعراض جانبية ايجابية فهي فقط اعادة الفرز، فالزؤان الذي تساقط من الغربال كنا سنتورط به ويكسر اسناننا او نخبزه ظنا منا بأنه قمح.
لكن المثير في هذا التحول انه لم يحدث بشكل تدريجي، او على طريقة اعادة النظر في اطروحات الصّبا والشباب كما فعل فلاسفة منهم ماركس وهيجل ولوكاتش وآخرون بحيث صنفت اعمالهم الى مرحلتين، مرحلة الصبا بكل ما يقترن بها من حماسة وانفعال ومراهقة فكرية ومرحلة النضج بكل ما تتسم به من توازن.
التحول عربيا من الليبرالية والقومية والماركسية والوجودية الى الطائفية كان اشبه بما سماه الشاعر الروماني اوفيد مسخ الكائنات، او ما سماه الروائي كافكا تحول الكائن الادمي الى خنفساء بحيث استيقظ من النوم ونظر الى المرآة ففوجىء بأنه اصبح خنفساء.
فهل كانت الايديولوجيات قبّعات تُرتدى وتخلع بالسرعة ذاتها؟ ام ان هناك بشرا تتلمذوا على الحرباء فبدلوا الوانهم تبعا لمقتضيات الحاجة او تأقلما مع متطلبات سوق السياسة السوداء!
الدستور