ترى اوساط سياسية ان تحرك مشعل يستهدف اضعاف منظمة التحرير وبسط نفوذ حماس على الساحة الفلسطينية تفيد تسريبات اسلامية بأن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل قرّر مخاطبة المرشد العام لتنظيم الإخوان المسلمين العالمي في مصر محمد مهدي عاكف على أمل حسم خلاف داخلي يتنامى على خلفية مطالبة مشعل بقطع بقايا "العلاقة العاطفية" بين حماس ومظلّتها الأم - إخوان الأردن.
فقد لجأ مشعل إلى الحركة الأم للتحكيم بعد أن تصادم المكتب التنفيذي لإخوان الأردن مع مجلس الشورى حول مطلب مشعل القديم الجديد بفك العلاقة التنظيمية بين هياكل حماس ومظلتها جماعة الإخوان الأردنية.
الخلاف نشأ قبل أسابيع حين أعاد مشعل إثارة مضامين خطاب كان أرسله قبل ثلاث سنوات للمراقب العام لإخوان الأردن سالم الفلاحات يعرض فيه "مشروع اتفاق" يتضمن فك الارتباط التنظيمي والسياسي بين الطرفين بطريقة رسمية.
ارتكز مشعل في طلب الاستقلال التنظيمي مع البقاء تحت مظلة الاخوان الى انفصال الامر الواقع بين الجبهتين منذ مطلع العقد الحالي بسبب انقطاع التواصل مع الداخل نتيجة ظروف الاحتلال وقرار الأردن عام 1999 بإبعاد قادة حماس, وقبل ذلك توقيف سلف مشعل, د. موسى أبو مرزوق في أمريكا, حتى نجح الملك الراحل الحسين بن طلال في إطلاق سراحه عام .1996
أثناء تلك الهزّات نجح مشعل, المدعوم إيرانيا وسوريا, في تفويض نفسه زعيما سياسيا للحركة عبر انقلاب صامت بدون أي سند انتخابي وشرعية تنظيمية, بحسب مطلّين على الملف الحماسي.
رسالة مشعل الأخيرة أحدثت شرخا بين المكتب السياسي للجماعة الأكثر اعتدالا ومجلس الشورى الذي يخضع لهيمنة صقور- يناصرون مواقف حماس الخارج المتشددة.
فبينما وافق المكتب التنفيذي على مطلب مشعل بالفصل بين الطرفين, سارع مجلس الشورى لإجهاضه بأغلبية صوتين- في مفارقة رغم أن سياسات مجلس الشورى تتناغم مع أفكار تيار مشعل.
وهكذا فرض مجلس الشورى استمرارية العلاقة الوثيقة مع الجناح الفلسطيني - هذه المرة- بعكس مطلب مشعل الأكثر تشدّدا من قيادات الحركة الإسلامية داخل الأراضي الفلسطينية التي تخوض حوارات سرية مع أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل. هذه القيادات أعربت مرارا عن السأم من طريقة إدارة مشعل ورفاقه, معتبرة أنهم "هبطوا بالباراشوت" لقيادة حماس دون تمثيل شرعي.
يفسّر متخصّصون في الشأن الإسلامي التناقض بين موقف شورى جماعة الأردن ومطلب مشعل بأن الدعوة للانفصال لم تكن سوى بالون اختبار أراد منه زعيم حماس الخارج إجهاض حراك داخلي متسارع في صفوف حماس- لا سيما في قطاع غزّة- نحو الانفصال عن جماعة مشعل.
نشطاء غزّة يتحركون نحو تشكيل تنظيم جديد يضم الإخوان المسلمين بخاصة في القطاع وأيضا المعتدلين في حماس بحيث يكون قائما على "الغزيّين" وقاعدة الإخوان التاريخية في الداخل والخارج. يفترض المشاركون في هذه الحوارات بأن إخوان الأردن من أصول فلسطينية سيفضلون على الأغلب البقاء داخل صفوف الجماعة الأم في عمّان.
قرار مجلس الشورى سحب البساط من تحت أقدام المكتب التنفيذي الذي طالما نأى عن المغامرة بعلاقات الإخوان التقليدية مع الدولة والعرش, وهي تراجعت خلال الأشهر الماضية بسبب إصرار المتشددين على سحب الإخوان باتجاه مقاربة حماس الخارج.
حين وافق المكتب التنفيذي على مطلب مشعل المتجدد, لم ينس وضع شروط من ضمنها استثناء الساحة الأردنية والخليجية من العمل التنظيمي الخاص بحماس. ثمّة مخاوف من أن تستثمر حماس هاتين الساحتين على خلفية القاعدة الجماهيرية والانتخابية في بلد نصف سكانه من أصول فلسطينية والثقل التمويلي للإسلاميين في الخليج.
موقف الرافضين داخل إخوان الأردن ينبع من عدم دستورية قرار فك العلاقة لأن ميثاق حماس ينص صراحة على ان الحركة هي جزء من الإخوان المسلمين, وربما لأن بعضهم يخشى أن يؤثر الانفصال على شعبيته القائمة بشكل كبير في الأردن على دعم حماس وموقفها الرافض لمحادثات السلام.
بانتظار قرار التحكيم المصري حول ورقة الطلاق الذي تلقتها الجماعة, يراقب الأردن الرسمي بحذر- شأنه شأن عدد كبير من النشطاء الحزبيين- التداعيات المحتملة لخطوة "مراجعة" مشعل لعلاقات حماس مع إخوان الأردن. يرجع هذا الهاجس إلى التداخل بين الساحتين الأردنية والفلسطينية بانتظار الحل النهائي وقيام دولة فلسطينية. ترى الدولة الأردنية أن هذه النهاية ستساعدها على حل إشكالية ازدواجية الهوية الوطنية والانتماء السياسي.
الأوساط الرسمية تبدي قلقا مشروعا هذه الأيام من أن هدف مشعل بتحديد أطر العلاقات يغطي الفلسطينيين حملة الجنسية الأردنية المنضوين تحت لواء الإخوان في الخارج. هكذا فرز يرتقي إلى محاولات حركة فتح- كبرى فصائل منظمة التحرير- للسيطرة على الشارع الفلسطيني داخل مخيمات الأردن منذ قيام المنظمة عام 1965 حتى تراجع نفوذها وتحولّه إلى كفّة الإسلاميين بسبب مزاعم الفساد وفشلها في تحقيق حلم قيام الدولة الفلسطينية عقب اتفاقيات سلام إشكالية مع إسرائيل عام 1993 .
لعقود خلت ظلّت حركة المقاومة الفلسطينية تتحرك بقوة على الساحة الأردنية وتتمتع بحضور كبير في أوساط القواعد الفلسطينية عبر محاولات السيطرة على المخيمات, تجنيد الشباب والشابات وجمع التبرعات وحشد الدعم السياسي للمنظمة في الانتخابات التشريعية والبلدية والنقابية وحتى الطلابية, فضلا عن خطب ود وجهاء عشائر أردنية كرافعة لتقوية نفوذها. هذا النفوذ أعطى دعما سياسيا قويا للمنظمة في الخارج والداخل.
خلال الأشهر الماضية اتهمت قيادات إسلامية الحكومة الأردنية بالتعبئة لمصلحة فتح المتهاوية في مواجهة النفوذ الإسلامي الحماسي داخل المخيمات الفلسطينية. من جانبهم, يقول إن حماس تجول وتصول في المخيمات بمعزل عن مرجعيتها الأردنية- الإخوان- لكسب قواعد انتخابية وشعبوية.
في الخندق المقابل, ثمة أصوات تتعالى ضمن تيار الاعتدال الإخواني بحتمية الانفصال عن حماس. بعض قوى الاعتدال تريد الفرز اليوم وليس غدا على أمل الخلاص من عقدة ازدواجية الأجندة لدى الإخوان المتشدّدين: إسناد حماس أولا على حساب الأردن.
سياسيا, قد يساعد الفصل الرسمي بين الجانبين على دعم توجّه التيار المعتدل داخل إخوان الأردن وهو- بخلاف التيار المتشدد- يعتبر فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية لعام 1988 أمرا واقعا يجب التسليم. في هذا التحليل ضمان لإصلاح الود المفقود بين الإخوان والسلطات الأردنية, كما يدعم فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة داخل حدود .1967
وقد تستقبل عمّان رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنّية الأسبوع المقبل بصفته الرسمية, ما يشي بكسر الجليد مع قيادات إسلامية معتدلة داخل الأراضي الفلسطينية- بعد نحو سبع سنوات من التباعد على خلفية أزمة إبعاد قادة حماس.
ترى أوساط سياسية أن مشعل يستهدف من وراء الانفصال وإعادة خلط الأوراق إضعاف منظمة التحرير, الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني منذ العام ,1974 من خلال السيطرة على المجلس الوطني الفلسطيني- برلمان في المنفى. كذلك يطمح في بسط نفوذ حماس سياسيا وعسكريا على الساحة الفلسطينية بشقيها- الضفة وغزة- فضلا عن ترسيخ نفوذه بين فلسطينيي الشتات- لاسيما في الأردن - رغم وجود اتفاقات غير مكتوبة تحظر العمل على هذه الساحة.
لكن خطوة مشعل الأخيرة قد تقوّض سلطة مشعل من حيث لا يدري. إذ أن إصرار مشعل على الانفصال قد يسرّع في خطوات قيام تنظيم جديد للإخوان المسلمين في قطاع غالبيته من أتباع حماس غير المرتاحين لآليات القيادة في الخارج.
هذا التشكيل سيعزل القيادات المتشددة في الخارج ويفرز قيادة جديدة أكثر تناغما وانسجاما في الداخل والخارج, ما يعطيها شرعية تنظيمية للتحدث باسم الفلسطينيين.
يرى مشعل, بحسب الأوساط الحزبية والرسمية, أن استراتيجية الانفصال باتت ضرورة بعد اتفاق مكة الذي حقن دماء الفلسطينيين وفي ضوء تشكيل حكومة فلسطينية برئاسة حماس.
وبحسب إحدى السيناريوهات, وضع اتفاق مكة مشعل على قدم المساواة مع رئيس السلطة الفلسطينية المنتخب محمود عباس, إذ بات يعتقد الأول أن الاثنين باتا جزءا من القيادة الفلسطينية, رغم أنه يتمتع بسند انتخابي.
وهو إلى ذلك يعتقد انه آن الأوان لبناء منظمة تحرير فلسطينية إسلامية بدعم إيراني, بالاستناد إلى فوز حماس الساحق في الانتخابات التشريعية الداخلية مطلع العام الماضي.
يتطلع مشعل إلى توزيع الأدوار عبر إلهاء عباس بشروط الرباعية الدولية وتعقيدات المفاوضات مع إسرائيل بينما يعمل على تقوية سلطته في الداخل من خلال هياكل عسكرية وسياسية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
يبقى هدف مشعل الأكبر- بحسب واضعي هذا السيناريو- تدمير مصداقية وجهد منظمة التحرير وصولا إلى استبدالها بمنظمة تحت راية حماس يمتد نفوذها من غزة والضفة إلى مخيمات الفلسطينيين في الشتات في لبنان والاردن كما استعملت فتح غطاء المنظمة سابقا.
في نفس الوقت, يتخوف دبلوماسيون غربيون في المنطقة من خطط مشعل لإرسال عناصر حماسية جديدة إلى مخيمات تدريب عسكرية في سورية وإيران للتدريب على إطلاق صواريخ وبناء بنية عسكرية قوية في الضفة الغربية قادرة على تحدي السلطة الوطنية كما حصل في غزة قبل أشهر.
هناك تخوّف لدى أصحاب القرار هنا من أن مشعل يسعى لاتباع نهج الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على الساحة الأردنية, حين كان نشطا في صفوف فلسطينيي الأردن لحين توقيع اتفاقية اوسلو مع اسرائيل عام 1993. من هنا يخشى من أن يتحول مناصرو حماس-مشعل إلى تنظيم سري يستخدم كأداة ضغط على مواقف الدولة الاردنية خدمة لاهداف حماس وقد ينجح في إيصال نواب إلى مجلس الأمة ليجلسوا جنبا إلى جنب مع نواب الإخوان.