سؤال مغيّب ينتظر جواب الأردن عليه
نقولا ناصر
06-06-2015 03:01 PM
(على الأرجح أن الأردن سوف يراهن على نهج منظمة التحرير في التراجع لتجنب مواجهة مأزق دبلوماسي حتمي في حال أعيد الطلب الفلسطيني بتعليق عضوية دولة الاحتلال إلى جدول أعمال كونجرس "الفيفا" المقبل)
ما هو موقف الأردن وغيره من الدول العربية لو لم يسحب الطلب الفلسطيني بتعليق عضوية دولة الاحتلال الإسرائيلي في "الفيفا"؟ هذا هو السؤال الغائب أو المغيب الذي غرق أو أغرق في ما وصفه كثير من المعلقين الأردنيين وغيرهم ب"الفتنة" التي حاول البعض "غير الرسمي" في المملكة ايقاظها على هامش انتخابات رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم.
اللافت للنظر أن هذا السؤال قد سقط أو أسقط من كل ما كتب عربيا في الأردن وفلسطين وغيرهما عن جبريل الرجوب، رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، منذ حسم معركة انتخابات "الفيفا"، وسواء كان إسقاطه عفويا أم مدروسا فإن النتيجة الواضحة لتغييب هذا السؤال جعل من "الحملة" على الرجوب ساترا دخانيا عفويا أم مدروسا للتهرب من الإجابة عليه.
ودلالات غياب أو تغييب هذا السؤال خلاصتها وجود قرار أردني وفلسطيني غير معلن بالتهرب من الإجابة عليه، وهو الخيار الذي لجأت إليه كذلك دول عربية عديدة معارضة للمرشح الأردني لرئاسة "الفيفا" ولتعليق عضوية دولة الاحتلال في الاتحاد الدولي على حد سواء.
وسواء كان قرار الرجوب بسحب الطلب الفلسطيني في اللحظة الأخيرة فرديا أم غير فردي فإن الفضل يعود له في دفن هذا السؤال وفي تجنيب الأردن مأزقا دبلوماسيا حرجا وفي تجنيب العلاقات الثنائية بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين المملكة أزمة حقيقية لا يمكن مقارنتها بالأزمة التي أثارتها قضية حجب الصوت الفلسطيني عن دعم ترشيح الأمير علي بن الحسين لرئاسة الفيفا والتي تم احتواؤها.
لكن الطلب الفلسطيني ما زال قائما، وحسب التصريحات الرسمية الفلسطينية تم "تأجيله" فقط، فالاتحاد الدولي لكرة القدم قرر أنه "لا تعليق إلا بعد التحقيق" في حيثيات وأسباب تقديم الطلب الفلسطيني، وبالتالي فإن السؤال ما زال قائما والإجابة عليه أردنيا وعربيا ما زالت استحقاقا مطلوبا.
والمهلة الزمنية أمام هذا الاستحقاق ليست طويلة، فبعد الإعلان عن استقالته دعا رئيس "الفيفا" جوزيف بلاتر إلى انعقاد استثنائي لكونجرس "الفيفا" في الفترة بين كانون الأول/ ديسمبر وآذار/ مارس المقبلين لانتخاب خلف له، ومن المحتمل أن يكون "تحقيق" الفيفا في الطلب الفلسطيني قد استكمل حينذاك ليعود الطلب الفلسطيني بتعليق عضوية دولة الاحتلال إلى جدول أعمال مؤتمر الاتحاد الدولي.
وحتى ذلك الحين يوجد استحقاقان، الأول استحقاق صدور قرار فلسطيني واضح وقاطع ومعلن بدعم الأمير علي الذي أعلنت المملكة إعادة ترشيحه لرئاسة "الفيفا"، والاستحقاق الثاني هو بلورة موقف أردني رسمي واضح وقاطع ومعلن من الطلب الفلسطيني بتعليق عضوية دولة الاحتلال.
وإذا كان الاستحقاق الفلسطيني يكاد يكون متوقعا بدعم ترشيح الأمير علي، فإن معطيات موضوعية تكاد تجعل الاستجابة للاستحقاق الأردني أمرا مشكوكا فيه.
فالأردن مقيد بمعاهدة صلحه المنفرد مع دولة الاحتلال، وبالتزامه المعلن ب"عملية السلام" الفلسطينية والعربية معها، والمملكة تتصدر "الشركاء" في هذه العملية في الدعوة إلى استئناف مفاوضات السلام الفلسطينية معها، وهي مقيدة كذلك ب"صداقتها" الاستراتيجية مع الولايات المتحدة المعارضة بقوة لكل محاولات لفظ دولة الاحتلال خارج المنظمات والهيئات الدولية، وما ينطبق على الأردن في هذا السياق ينطبق كذلك على مصر وبهذا القدر أو ذاك على العديد من الدول العربية الأخرى.
وعلى الأرجح أن الأردن سوف يراهن على نهج منظمة التحرير والموقف العربي في التراجع لتجنب مواجهة مأزق دبلوماسي حتمي في حال أعيد الطلب الفلسطيني بتعليق عضوية دولة الاحتلال إلى جدول أعمال كونجرس "الفيفا" المقبل.
فمنظمة التحرير مقيدة بالتزامات "سلام" مماثلة للالتزامات الأردنية، ونهجها في حالات مماثلة يمنح الأردن مخرجا من مواجهة مأزق محتمل واقعي. وعلى سبيل المثال، فإن المنظمة التي تراجعت عن إعادة عرض مشروع القرار الأردني – الفلسطيني للاعتراف بدولة فلسطين وإنهاء الاحتلال على مجلس الأمن الدولي بعد انضمام أربع دول مؤيدة له إلى المجلس أوائل العام الجاري لتقبل بالتفاوض على مشروع قرار فرنسي بديل أكثر استجابة لشروط دولة الاحتلال وراعيها الأميركي يمكنها أن تكرر سحب الطلب الفلسطيني من "الفيفا"، والمنظمة التي رضخت للضغوط العربية والأميركية لعدم البناء على "تقرير غولدستون" الشهير و"فتوى" محكمة العدل الدولية المعروفة، كمثال ثان، يمكنها أيضا أن لا تستثمر قرارا قد يصدر عن "الفيفا" بتعليق عضوية دولة الاحتلال، وكمثال ثالث فإن مماطلة المنظمة في استثمار عضوية دولة فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية يمكنها أن "تؤجل" بهذه الحجة أو تلك طلبها من "الفيفا"، ناهيك عن إمكانيات الأردن الواضحة للضغط بدوره على المنظمة كي تؤجل أو تسقط هذا الطلب.
فالتردد والتراجع والتأجيل والرضوخ للضغوط العربية والدولية بحجة "الواقعية" أصبح نهجا للمنظمة يسوغ للأردن المراهنة عليه لتجنب الإجابة على السؤال عن موقفه من طلب تعليق عضوية دولة الاحتلال في "الفيفا" وغيرها من المنظمات الدولية.
أثناء استقبال الرجوب في أريحا يوم الإثنين الماضي، قال محافظ أريحا والأغوار ماجد الفتياني: "لا نريد عزل الاتحاد الإسرائيلي، وكما قال الرئيس محمود عباس سابقا لا نريد عزل إسرائيل بل عزل سياستها العنصرية بحق شعبنا"، أي أنها سياسة رسمية للمنظمة.
إن العلاقات الأردنية الفلسطينية حيوية لأسباب موضوعية جغرافية – سياسية وتاريخية واجتماعية وإنسانية، وليس أقلها أن الأردن هو رئة فلسطين التي تتنفس منها وهي تحت الاحتلال، وأن الحفاظ على حيوية هذه العلاقات هو العامود الفقري للأمن الوطني والوحدة الوطنية الأردنية، وأن الخطر الأهم والأكبر على الأردن يكمن في تهديد هذه العلاقات داخل المملكة التي تخلو من أي انقسامات عرقية أو طائفية أو مذهبية أو قبلية يمكن من خلالها تهديد امنها واستقرارها ووحدتها الوطنية والإقليمية، فحيوية هذه العلاقات أهم وأكبر من "الفيفا" وانتخاباتها وأهم وأكبر من تعليق عضوية دولة الاحتلال فيها.
ومن المؤسف حقا أن ينساق بعض النواب الأردنيين - - ربما لأسباب انتخابية وربما لغيرة وطنية حقيقية أو لمبالغة في الولاء للعرش كانت نتائجها عكسية - - مع ما وصفه المحلل السياسي الأردني فهد الخيطان ب"حالة الانفعال" و"محاولات الفتنة" و"حفلة الكراهية" و"السلوك الغرائزي الذي طبع تعليقات الكثيرين" على الرجوب ومواقفه، ف"المذكرة" التي رفعوها إلى رئيس مجلس النواب يوم الأربعاء الماضي أعطت صفة شبه رسمية لحملة إعلامية لم تكن رسمية وهي لا تصب في المصلحة الوطنية، ف "الأردن"، كما قال خبير القانون الدولي الدكتور انيس القاسم، "واحة استقرار ويعيش حالة من الوحدة الوطنية، ولا مصلحة وطنية من إثارة" قضايا مثل القضايا التي أثاروها في مذكرتهم.
والمفارقة أن هذه المذكرة والحملة الإعلامية التي سبقتها ورافقتها قد هددت بتأزيم العلاقات الأردنية – الفلسطينية وتوتيرها في تناقض واضح مع السياسة الرسمية المعلنة للمملكة دولة وحكومة.
لقد علق الخيطان على "حفلة الكراهية" قائلا إنه "يحق لإسرائيل أن تفخر بما أنجزت". وبما أن "الفيفا" مقبلة على جولة انتخابات رئاسية جديدة، والأمير الأردني مرشح فيها، وبما أن طلب تعليق عضوية دولة الاحتلال فيها "مؤجلا" فحسب، فإن الجهود الوطنية الأردنية والفلسطينية يجب أن تنصب على حرمان دولة الاحتلال مما يمكن أن تفخر به مجددا على حساب العلاقات الأردنية الفلسطينية.