اقتصاد السوق لا يبنى في العتمة، وعملية التحول الاقتصادي والاجتماعي وما يرافقها من بروز قيم العرض والطلب ينبغي أن تتم كلها تحت ضوء الشمس، هذه هي الحكمة الأولى التي تقود مسيرة الدول التي تشهد عملية التحول من الشمولية إلى الديمقراطية في وسط وشرق أوروبا وفي منطقتنا أيضا.
قبل مدة وجيزة قيض لي أن ازور البرلمان الهنغاري في بودابست ذلك المبنى الذي شيد على طراز معماري فريد بحيث يعد تحفة تعجزك عن الوصف وهو ، بالمناسبة، مبنى مقام على ارض تقل عن 38دنما تجاور الدانوب، ورغم عراقة المبنى إلا انه يستوعب ، في جنباته كتلة نيابية تمثل الليبرالية الجديدة، يحتويها تحت سقفه في الوقت الذي لا يسمح لها أن تنتقص من عراقته تحت حجج التحديث والتطوير، فالمبنى الذي تجاوز عمره القرنين لا يزال يحمل من المؤهلات ما تسعفه على استيعاب التقنيات الحديثة.
في جناح منه كانت تنعقد جلسة ساخنة نوقش فيها مستقبل القطاع الصحي هناك أما في الجناح الثاني فقد كان مفتوحا لنا نحن السياح المبهورين بروعة المعمار ، كنا شهودا على عراقة البلد وكان البرلمانيون في الجناح الآخر شهودا على صناعة معجزة التحول من الشمولية إلى الديمقراطية بكلفة اجتماعية قليلة نسبيا.
النمو الاقتصادي في هنغاريا لا يتجاوز 1.3 ورغم ذلك فالخصخصة تسير ببطء لكن بثبات ، إذ لا احد هناك يستعجل حصد النتائج ولا يتورط أيا منهم في إلزام نفسه بجدول زمني غير واقعي.
هناك مبان لبرلمانات في أماكن أخرى من العالم لا تقل عراقة سواء من الناحية المعمارية أو من الوجهة التاريخية جميعها بقيت شاهدا على تعاقب العصور وتبدل الدول وتطور الشعوب.
.. هل يمكن أن نتخيل واشنطن العاصمة بدون "الكابيتول هل" وهل يمكن تخيل لندن بدون قصر "وستمنستر" وهل تستوي برلين بدون مبنى "البوندستاغ" الذي يعود تاريخه إلى عام 1884 و يزوره سنويا ما يزيد عن ثلاثة ملايين سائح؟
مبان البرلمانات في العالم واجهات لتعرف الأجيال اللاحقة على الحياة السياسية والتاريخ السياسي للبلدان وشاهد على استقرار النظم الديمقراطية ولو كانت بريطانيا العظمى تبدل مواقع برلماناتها بصورة دورية منذ "الماغنا كارتا" لربما كانت بحاجة إلى بناء ما يزيد عن 1000 مبنى لكن في المقابل ولا واحد من تلك المباني المفترضة يحمل رمزية الوستمنستر.
ربما سيضطر نواب المجلس السادس عشر الى حمل خارطة للاستدلال على القبة لكن ماذا نقول .. فنحن نعيش الحقبة العقارية بكل تجلياتها البائسة وبما تحمله من غبار يعمي الأبصار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
samizobaidi@yahoo.com