الأردن والدعاية الإسرائيلية
د. محمد أبو رمان
18-03-2007 02:00 AM
تكررت الإشارات والرسائل الإسرائيلية في بث فكرة ضعف نظام الحكم وخطورة المرحلة الحالية على الاستقرار السياسي الأردني، ومن الصعوبة بمكان تصور أنّ هذه الرسائل بلا قيمة أو هدف محدد تسعى إليه. قبل الولوج إلى السياق الذي يمكن أن نقرأ فيه الرسائل الإسرائيلية، لا بد أولاً من اختبار مضمون هذه الرسائل وقوتها المنطقية، وهو ما يؤدي، بالفعل، إلى الدهشة، إذ لا يقوم هذا المضمون على أي أساس متين! فالأردن ليس دولة ناشئة أو مهزوزة أمام أية رياح إقليمية أو حتى داخلية، ومن يرصد خبرة الدولة في التعامل مع التحديات المختلفة (داخلياً وخارجياً) يصل إلى قناعة رئيسة مفادها أنّنا دولة قوية مستقرة تمتلك مؤسسات راسخة. هنالك ارتباط حيوي بين المجتمع والدولة ناجم عن عوامل متعددة أبرزها تنامي الشعور بالرضى الاجتماعي والسياسي عن وضع الدولة ومصيرها مقارنة بجوار إقليمي إما مفكك مضطرب وإما دكتاتوري شمولي مع أداء سياسي واقتصادي وأمني رديء، فالمقارنة بالجوار الإقليمي تمنح الدولة لدى المواطن أفضلية مطلقة تجعل من الولاء والدعم قضية مركزية محورية في العلاقة بين الطرفين.
دول الإقليم بلا استثناء، وهناك دول أخرى، يجب أن تخشى من التداعيات التي تصيبها مما يحدث في العراق. أما الأردن فيمكن له أن يتعامل مع التحدي الأمني الشرقي، كما تعامل سابقاً مع تحديات أخرى، ولن يصل هذا الأمر، في التحليل الواقعي الموضوعي، إلى أي نسبة من نسب الخطر الحقيقي الذي يهدد شرعية النظام والكيان، كما زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت أمام منظمة الإيباك. بل إنّ الرواية الإسرائيلية ذاتها تفضح اللفلفة والمغالطة عندما ذكرت أنّ هدف الملك كان من زيارته لواشنطن ولقائه بأعضاء الكونغرس الديمقراطيين هو إقناعهم بخطورة الانسحاب من العراق، في حين أن الخطاب الملكي ركز بالكلية على الوضع الفلسطيني وليس العراقي، وهذا ليس لأن العراق ليس مهما، لكن لأنّ استثمار الفرصة المتاحة في الكونغرس يجب أن يكون بالاتجاه الصحيح والأكثر عملية وفائدة حقيقية مرجوة، وهو ما أثار حفيظة وانزعاج السياسيين والإعلاميين الأميركيين الموالين لإسرائيل.
لسنا معنيين بالمذكرة التي وصلت لأولمرت من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بل نحن معنيون بقراءتنا الوطنية للأخطار والتهديدات التي تواجهنا، والتي تشير إلى الغرب، أي إسرائيل. ومن هنا انعكس الإدراك السياسي الأردني في خطاب الملك أمام الكونغرس، إذ إن التركيز على حل القضية الفلسطينية هو الوجه الآخر للتأكيد على ارتباط المصلحة الحيوية الأردنية بإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، فالخطر الخارجي الحقيقي على الأردن هو أن يتحول إلى وطن بديل للفلسطينيين من خلال التهجير القسري أو الاختياري أو صيغة من الضم والوحدة الزائفة التي تمثل اسماً حركياً لإلغاء الدولة الفلسطينية.
الأردن رفض، ويرفض، إلغاء الدولة الفلسطينية، وأي صيغة للوحدة قبل الحل النهائي، وقبل التأكد أنّ تلك الوحدة لها سياق وطني وقومي مختلف عن مشروع اليمين الإسرائيلي والأميركي الذي لا يرى سوى الأردن حلاً للمشكلة الفلسطينية، وهو ما يدفع إلى مزيد من الضغوط والابتزاز من إسرائيل واليمين الأميركي المتصهين من خلال تقارير إعلامية وسياسية وأمنية مختلقة أو مغلوطة، على أحسن حال.
في هذا السياق يمكن أن تقرأ تصريحات أولمرت، أولاً للضغط على الأردن وممارسة ابتزاز مكشوف هش، وثانياً للفت الانتباه عن القضية الفلسطينية وتشتيت الجهد ضد المبادرة العربية والدور الأردني فيها، بالتقليل من أهمية القضية الفلسطينية ومن الحملة الأردنية بهذا الخصوص، التي جاء خطاب الملك ليكرسها وينقلها إلى مرحلة متقدمة من الاهتمام الأميركي والعالمي. لكنّ ثمة هدفا إسرائيليا آخر أخطر من الأهداف السابقة وهو تمرير فكرة أنّ الأردن على علاقة غير شرعية بإسرائيل، وأنّ هنالك صفقات تعقد تحت الطاولة، وهي الدعاية التي لم ينقطع الإعلام الإسرائيلي عن ترديدها والإيحاء بها، ومن ذلك ما ورد في الرواية الإسرائيلية أنّ الأردن يشكل "كنزاً استراتيجياً" لإسرائيل! وهي عبارة مسمومة وخطرة ترددها إسرائيل في كل مناسبة لتشويه السياسة الأردنية وإضعافها.
السؤال الرئيس يكمن فيما إذا كان لتصريحات أولمرت الضعيف المهزوز في هذه المرحلة التاريخية في إسرائيل أية قيمة حقيقية؟ وهل تستحق الرد عليها أم لا؟ في تقديري نعم، هنالك تداعيات خطرة لتلك التصريحات وغيرها، يتمثل أهم هذه التداعيات بتشويه السياسة الأردنية وبناء صورة نمطية عن الاردن أمام الرأي العام العربي. وللأسف تتلقف الدعايةَ الإسرائيليةَ أقلامٌ ومنابرُ إعلاميةٌ عربيةٌ، تتقاطع تلك الدعاية مع موقفها من الأردن فتبدأ ببثها وترويجها لدى الجمهور العربي. وليس سرّاً أن الأردن يتعرّض إلى حملة تشويه كبيرة تسعى إلى الإضرار بصورته كثيراً لدى الرأي العام العربي في الآونة الأخيرة.
مواجهة الدعاية الصهيونية، ومنها تصريحات أولمرت الأخيرة، تكون على عدة مستويات متعددة أبرزها المستوى الإعلامي الذي بدا ضعيفا غير قادر في المرحلة الأخيرة في الرد على الحملة الإعلامية والسياسية. لسنا بحاجة إلى أقلام تمارس الردح والهجاء وأسلوب الفزعة، تسيء إلى السياسة الأردنية ولا تخدمها. فما نحتاج إليه أقلام على مستوى عال من المصداقية والفكر والمهنية الإعلامية توضح الصورة الحقيقية وأبعاد الموقف السياسي الأردني على الصعيد الخارجي، من دون مزاودة ومبالغة أو حديث إنشائي أصبح ممجوجا لدى المواطن الأردني والعربي.
وحده الخطاب العقلاني، الواقعي والموضوعي هو القادر على بناء إطار إعلامي وطني قوي، يمتلك الجرأة والكفاءة في مناقشة الآخرين وفي تقديم السياسة الخارجية، بل وفي توجيهها في حال الاختلاف معها في تعريف المصلحة الوطنية.
m.aburumman@alghad.jo