فلسطين في الفيفا .. إقالة الرجوب واجبة .. خالد الحروب
02-06-2015 06:21 AM
لم يعرف أحد ما هي مؤهلات جبريل الرجوب الرياضية الباهرة كي يصبح رئيسا لاتحاد كرة القدم الفلسطينية، المبرر الوحيد والذي بالكاد أمكن فهمه هو محاولة الاستفادة من منبر كرة القدم والنفاد إلى دوائر تأييد أوسع للقضية الفلسطينية، مما تطلب شخصية سياسية أكثر من كونها رياضية.
سيقول كثيرون إن ثمة الكثير قد حققه الرجوب من تلك الزاوية، وهذا إن كان صحيحاً فهو جزء من مسؤوليته وهو ما يبرر وضعه كسياسي على رأس اتحاد رياضي.
وعلى كل حال، وحيث لا شكر على واجب، فذلك ما كان متوقعاً ومطلوباً وما هو مطلوب من كل سياسي يتقدم الصفوف ويتنافس مع آخرين لخدمة الشعب. لا شكر على واجب هو الكرت الأحمر الذي يجب أن يرفعه الشعب في وجه كل مسؤول يتباهى بأنه فعل كذا وأنجز كذا. إن لم يفعل أو ينجز أو حتى اقترف خطأً فظيعا فعليه أن يخرج من الملعب بالكرت الأحمر نفسه. هذا ما يحدث في بلدان ومجتمعات تحترم نفسها، والسياسي فيها يعتبر خادما للشعب وليس متسلطا عليه، يمن عليه بما يقوم وينفذ. ثم إن مسألة حضور فلسطين في الفيفا ونشاطها فيه سياسية بالدرجة الأولى قبل أن تكون رياضية. لن تظفر فلسطين بكأس العالم في دورته القادمة في روسيا أو التي تليها في قطر، لكن من الواجب جدا استخدام هذا المنبر الدولي لحشد التأييد لقضية فلسطين العادلة، ولمطاردة إسرائيل وعنصريتها في كل محفل دولي. ولا يعني هذا حصر نشاط اتحاد كرة القدم الفلسطيني بالسياسة فمن البديهي أن يشتغل بكرة القدم أولاً وتالياً.
وهكذا وتبعا لذلك المبدأ البسيط في السياسة النظيفة والتي تحترم شعبها، أي لا شكر على واجب وكرت أحمر للمخطئ، وعلى خلفية أدائه السيئ في اجتماعات الفيفا الأخيرة، على جبريل الرجوب أن يستقيل فوراً، وإن لم يفعل فعلى المؤسسة الفلسطينية الرسمية أن تقيله. ثمة أكثر من سبب يبرر هذا الطلب: أولها أن الرجوب الذي حشد مشاعر وقلوب وإعلام مئات الملايين من مؤيدي فلسطين وراء طلب طرد إسرائيل من الفيفا خلال الفترة الماضية، خذلهم دفعة واحدة وبطريقة فردية مُخجلة. كيف، من ناحية سياسية، يتم الحشد وراء هذا الطلب لمدة شهور أو سنوات ثم يتم سحبه بطريقة فردية مطلقة. وكيف اتخذ قرار طلب طرد إسرائيل والحشد له وتم إخراجه إن كان الاتحاد ومن وراءه يعرفون، كما يبرر الرجوب، أن تنفيذ هذا الطلب مستحيل (وهذا غير صحيح بالمرة). هل اتخذ القرار جماعيا أم هو قرار فردي محض خاص بالرجوب من حقه أن يتنازل عنه متى شاء؟ وهل كان يتحدث باسمه الشخصي أم باسم اتحاد كرة القدم في فلسطين عندما تنازل عنه؟ لقد ضيع الرجوب على فلسطين والفلسطينيين فرصة ذهبية لكشف عنصرية إسرائيل ومحاصرتها في واحد من أهم المنتديات الدولية جلبا للأضواء والإعلام، ويجب أن يتحمل مسؤولية ذلك.
عوضاً عن مواصلة المعركة إلى نهايتها طالما تم الشروع فيها (كما يعمل الرجوب كرجل عسكري أنه حالما سحب السلاح لا تقتضي حكمة القتال إرجاعه إلى غمده في منتصف المعركة، حيث يعني ذلك انتصار الخصم)، رأينا نهاية مخجلة وهي مصافحة حارة كلها حب وصداقة بين الرجوب والممثل الإسرائيلي في الفيفا. في تلك المصافحة التي لا طعم لها فاضت ابتسامات الرجوب على الكاميرات وكأنه المنتصر، وكان الممثل الإسرائيلي جادا وصارماً. لا أعرف ما الداعي للابتسامات العريضة في موقف كهذا، وماذا تعكس بالضبط. الموقف والتصريحات الإسرائيلية بعد سحب طلب الطرد تلخص كل الموضوع فهي تشكر الرجوب على موقفه من ناحية، وتدعوه للاجتماع والحديث في كل الأمور، حتى نتنياهو نفسه صرح بأن إسرائيل انتصرت في الوقوف في وجه المحاولات التي حاولت حصارها في الفيفا، أضعف الإيمان كان بإمكان الرجوب أن يعلن عن تجميد الطلب أو تأجيله وليس سحبه بالمرة.
الأمر الثاني والذي لا يقل جسامة عن سحب الطلب والتسبب في الشعور بالخذلان في أوساط الفلسطينيين والعرب ومؤيديهم في العالم، هو تصويت الرجوب لجوزيف بلاتر على حساب الأمير الأردني علي بن الحسين، وما رافق ذلك من تصريحات وتبريرات، وإصدار لبيان توضيحي ثم نفيه بطريقة سخيفة. مرة أخرى، وجود اتحاد كرة القدم الفلسطيني في الفيفا ومواقفه يجب أن تكون محسوبة سياسيا قبل أن تُصاغ رياضياً. من الذي اتخذ القرار بالتصويت لبلاتر إن كان القرار قد اتخذ جماعياً، وعلى أي أساس؟ أكثر من نصف الشعب الفلسطيني يعيشون في الأردن وهم أردنيون بالجنسية والحقوق والجواز، والعلاقة مع الأردن أهم مليون مرة من العلاقة مع بلاتر. والأمير الأردني بذلك هو عملياً مرشح الفلسطينيين والأردنيين معاً. وإذا كان القرار الفلسطيني الجماعي، كما ورد من داخل مجلس إدارة اتحاد كرة القدم الفلسطيني، قد قضى بالتصويت للأمير علي، فإن تغييره بطريقة فردية من قبل الرجوب وفي اللحظة الأخيرة يستلزم ليس فقط الإقالة بل والمحاسبة أيضا. لننظر إلى مدى المرارة العميقة التي سببها عدم التصويت للأمير علي في أوساط الأردنيين، وما قد يتولد عنه من شحن إقليمي عند بعض الجيوب المتوترة والمتطرفة والتي تصطاد أي فرصة كهذه لتسعير الفرقة والتخندق التافه وراء الأصول والمنابت، عوضا عن تجاوزها.
يُسيء للفلسطينيين شعبا ومؤسسة رسمية أن يصبح ديدن رموزها الإعلان الاستعراضي عن موقف ما أو مطالبة ما ثم الشروع التدريجي بالتخلي عنه. هذا أفقد الفلسطينيين صدقيتهم السياسية في السنوات الماضية عندما هددوا مرات عديدة بالتوجه إلى الأمم المتحدة وتقديم طلب عضوية فلسطين، ثم تراجعوا عنه. وحدث أيضاً في التهديد بالتقدم للمحكمة الجنائية عدة مرات ثم التراجع عنه. ومع أن الأمرين أنجزا في نهاية المطاف، لكن كانا قد استهلكا قدرا كبيرا من صدقية الفلسطينيين السياسية. والأمر نفسه انطبق على الرئيس الفلسطيني عندما كان يهدد المجتمع الدولي بالاستقالة، وهو تهديد استمر سنوات طويلة، إلى أن أقلع عنه، فلربما قدم له أحدهم نصيحة غالية بأن يكف عن ذلك. الرجوب أراد إحياء ذلك التقليد السيئ، رفع السقف عالياً ورفع آمال شعبه، ثم السقوط المدوي من ذلك السقف. وخلال السقوط تتناثر الخسارات يمينا وشمالا. من يفعل ذلك عليه أن يستقيل أو يُقال.
عن الشرق القطرية