تاريخ سيء للرجوب مع الاردن
ماهر ابو طير
02-06-2015 03:29 AM
لم ينس الأردن أن هناك أكثر من ستين دولة لم تصوت للأمير، حتى لا يقال إن التركيز فقط على الرجوب، وكأن التسعة والخمسين الباقين، غير مهمين.
المشكلة تكمن حصريا في أن الأردن قد يحتمل عدم تصويت تسعة وخمسين دولة لمرشحه، لكن صوت فلسطين تحديداً لايمكن احتمال غيابه، لأنها فلسطين، ولأن بينها وبين الأردن، مالا يقبل القسمة على اثنين، ولربما الأصل أن الصوت مضمون، مثلما يصوت الأردن دوما في المحافل الدولية لصالح فلسطين.
في الوقت ذاته ليس منطقيا أبداً أن يكشف الرجوب عن كل هذه (الهشاشة) في علاقات الأردنيين والفلسطينيين، وهو إن خان الأردن في قصة عدم تصويته للأمير علي، فقد خان فلسطين أيضا حين ألغى طلب طرد إسرائيل من الفيفا، وهذا يفسر أن الغضبة عليه اليوم، ممتدة ومتساوية في الأردن وفلسطين، فقد تسبب بأزمة وفتنة على ضفتي النهر. غير أن كل هذا يجب ألا يأخذنا إلى الزاوية الحرجة، أي التراشقات الاقليمية، فلماذا يتم تحميل فعلة الرجوب على شعب بأكمله وهذا الشعب ذاته، عانى من الرجوب ومن اشباهه، في قضايا كثيرة؟! وهل آلاف الرموز والمواقف المشتركة، يتم تناسيها اليوم من أجل حادثة الرجوب، الذي لا يعقل أن نسمح له بالتسبب بفتنة، في ظرف تنهار فيه كل الكيانات حولنا، فيما نحن نثبت أن الرجوب يدير المشهد داخل الأردن بكل هذا الغضب عليه، فقد تسيّد مشهدا فوق حجمه ومساحته، وكشف فينا بنيانا آيلا للسقوط؟!
الرجل له تاريخ سيء شخصياً مع الأردن، وقد كنا ذات مرة ضمن وفد نيابي برئاسة عبدالهادي المجالي رئيس مجلس النواب،العام 99، سافرنا الى القدس ورام الله وغزة والخليل ونابلس، والتقينا أيامها ياسر عرفات وفيصل الحسيني -رحمهما الله- وحنان عشراوي وغيرهم، وقد غادر الوفد النيابي، وبقي الوفد الإعلامي الأردني، ليوم اضافي في فلسطين، ويوم مغادرتنا وفي أريحا، أصر جبريل الرجوب على دعوة الوفد الإعلامي على الغداء، في موقع جميل وصلناه عبر التلفريك. لم نفهم يومها سر الغداء، لكن أكثر من عشرة اشخاص يشهدون على الغداء، وهم أحياء في الاردن يذكرون أن الرجل أطلق النار يومها بعنف ضد عبدالكريم الكباريتي رئيس الحكومة، وضد سميح البطيخي الذي كان مديرا للمخابرات يومها، قائلا: إن الحملة الإعلامية في الأردن ضده تدار عبر صحفيين بالاسم – ذكرهم واحداً واحداً- بتعليمات سياسية، وانه شخصيا يعرف تفاصيل كثيرة.
المعروف هنا أن قرار منعه القديم اتخذه مدير المخابرات السابق مصطفى القيسي ، وبقي مستمرا في عهد البطيخي، لاعتبارات كثيرة، أقلها معاداته الأردن داخل الضفة الغربية، وملاحقته لعشرات الرموز الفلسطينية المحسوبة على الأردن داخل الضفة الغربية، وهذه من اسرار ملفات الرجوب في عمان، التي لا يعرفها كثيرون.
خلال الزيارة تعرضنا أيضا لإطلاق الرصاص في الخليل، والرجوب تعمد أيامها أن يرسل الوفد النيابي للخليل لزيارة الحرم الإبراهيمي يوم سبت، ولم يتنبه الوفد النيابي والإعلامي، الى ان الحرم يوم السبت يدخله اليهود فقط، وما أن وصلنا حتى تجمع حولنا عشرات المستوطنين، وضربوا سيارات الوفد بالأحذية والحجارة، وتم اطلاق النار اتجاهنا ، فغادرنا في وضع خطير وتحت الرماية الحية، وتبين لاحقا أن الرجوب تعمد التدخل في برنامج الوفد بحيث يضعه أمام الخطر وبحيث تكون الزيارة يوم سبت من أجل اشعال هكذا حادثة خطيرة، وتهديد حياة الوفد، لاعتبارات كثيرة.
مغزى الكلام أن للرجل مشكلته الشخصية مع الاردن، وما زلت أذكر جملته الشهيرة في غداء اريحا الذي رد فيه الإعلاميون على كلامه ضد الاردن، إذ قال: « هل تصدقون أن عرفات يحكم الضفة الغربية... أنا وحدي حاكم الضفة الغربية»، وبقيت عبارته تشي بالكثير، حول صراعات الحلقات المحيطة بعرفات!!.
سمعنا مئات القصص عن الرجوب، والكل يعرف ان اهل الضفة الغربية عانوا منه الأمرين، فأين المنطق الذي يسمح لنا بترميزه ممثلا للشعب الفلسطيني، وهو أساسا أوغل في دمهم، ولماذا يراد توظيف القصة سياسيا، من جانب بعضنا، حين يصير الرجوب هو كل القصة، وكأنه ليس بين الشعبين ماهو أعمق تاريخيا وجغرافيا، دما ونسبا وحياة، فيالها من هشاشة تقول لعدونا: هاهي مفاتيح تفتيت الداخل الأردني...كرة قدم داخلية، أو كرة قدم بمغزاها الدولي كما «الفيفا»، فالثنائية الكامنة، يمكن تشغيلها في لحظة للأسف الشديد.
الرجوب، لو صدق حتى بتصويته للأمير-وهذا مستحيل- فما كان مفهوما ان يقف مبتسما بشماتة ملوحا بالسيف العربي المهدى لبلاتر، وهي تلويحة لا يمكن أن تصدر عمن صوت فعليا للأمير، ثم ان الأهم اللوم على من استثمر فيه سياسيا في عمان، وفتح له الابواب والبيوت سابقا، برغم انهم يعرفونه جيدا؟!.
المشكلة ان حادثة الرجوب جاءت بعد ايام من حادثة الاقصى، وهذا يقول بصراحة ان هناك من يلعب سراً في الحديقة الخلفية في علاقات الاردنيين والفلسطينيين، وهذا هو الواجب التنبه له، في ظل خراب المنطقة، وفي ظل سلامة الاردن من الخراب، وحقد كثيرين، جراء عدم قدرتهم على الحاقه بالكيانات الذبيحة جراء الثنائيات التي يتم توظيفها بكبسة زر، دينيا او مذهبيا او عرقيا.
لقد اثبت بعضنا -للاسف- قدرة هائلة على التورط بحسن نية او سوء نية في هكذا منزلقات واشعال الثنائيات على خلفيات الملاعب او الاصول والمنابت، وهذا يستدعي استرداد العقل في حوارنا وتعبيراتنا، وعلى ميمنة وميسرة قصة الرجوب، تكشفت قضايا كثيرة، مثيرة للغثيان، فمن اين جئنا بكل هذه الارضية، لهذه التراشقات، في اتجاهات تم بناؤها بذريعة قصة الرجوب، الذي يمثل نفسه في نهاية المطاف؟!. تصرفه سيء ومرفوض ومدان، والأسوأ منه، توظيف القصة لإشعال حرائق جانبية.الدستور