جائزة الملكة رانيا للمعلم المتميز
04-05-2008 03:00 AM
حدثت تطورات هائلة في مفاهيم ومجالات التقييم والمساءلة والحوافز الوظيفية في العالم.. وبدأ الحديث يأخذ شكلاً وأبعاداً جديدة تندرج تحت مسميات معايير التميّز.. والتميّز أصبح جزءاً محورياً من فهم وثقافة المؤسسات العامة والخاصة.. ولم يعد المجال متاحاً لما كان يسمى بالأداء المتواضع والعمالة السهلة والرخيصة.. ودخلت معايير التميّز في مختلف الشؤون والتفاصيل الوظيفية وعلى مختلف مستوياتها، فالتميّز ليس مقصوراً على مواقع وظيفية محددة أو على موظفين محددين، فهو يتناول متطلبات العمل أياً كان، ويتعامل مع تلك المتطلبات من أجل تحديد درجة التميّز المطلوبة لأدائه.. والتميّز لغةً يعني التفرّد عن الآخرين بنواحٍ محددة.. ولا يعني ذلك ضرورة القيام بنشاطات ومهام خارقة أو بطولات غير مألوفة.. لكن التميّز المقصود هنا يتمثل بالقيام بالمهام المطلوبة على أفضل وجه.. لقد تطورت النظريات الإدارية والقيادية، حيث كان المفهوم البيروقراطي الذي ساد ولا زال في المفاصل الوظيفية، والذي يستند إلى تراتبية السلطة والصلاحيات وهرميتها وحدودها.. والتي عبر التقيّد الحرفي بقواعدها أوجدت ما سمّي بالمرض البيروقراطي، وتأرجح الاهتمام ما بين العامل والإنتاج، فتارةً كان التأكيد على العلاقة الإنسانية في العمل بأنها الوسيلة الأنجع للإنجاز، وتارةً جاء التأكيد على أن المعيار لحسن الأداء يتمثل بالإنتاج..
كما أن مفهوم الإدارة والقيادة طالهما تغيّرات وتحولات جذرية وصولاً إلى القيادة التحويلية والتي فهمت الإدارة على أن كلّ موظفٍ في مكانه وعمله هو قائد بالضرورة ضمن مجاله.. وانتهاءً بمفهوم الحاكمية الرشيدة القائمة على النزاهة والشفافية والإدارة بالحقائق.. وما بين الرقابة والتفتيش التقليديين، جاء مفهوم الجودة الذي يؤكد على الأفضل والأجود، وجاءت معه معايير الآيزو للجودة..
وجاءت إعادة هندسة العمليات ونظم العمل ( الهندرة) لتكون بمثابة الثورة الإدارية للقرن الحادي والعشرين، وهي طريقة أو منهجية إدارية طوّرها الأمريكيين هامر وتشامبي في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وتدعو إلى إعادة النظر بكافة المفاهيم والمسلمات الإدارية للمؤسسة دون الاعتبار لإنجازاتها أو إخفاقاتها التاريخية، وتبدأ بسؤال رئيسي مفاده: لو أردنا إعادة بناء المؤسسة من جديدٍ والآن.. كيف وما هو شكل ومحتوى المؤسسة المنوي إعادة هندستها.. ومع هذه التحولات الإدارية الكبرى، جاءت الرؤية والرسالة وتحديد الاستراتيجيات والأهداف للمؤسسات.. وجاءت معايير التميّز كوسيلة حديثة لتقييم الأداء والمساءلة وتقديم الحوافز والمكافآت ضمن أسسٍ محددة.. لكن هذه المعايير هدمت المسلمات القديمة المتقادمة في مجال التقييم والتقويم.. فلم يعد كافياً تقييم الرئيس للمرؤوس، بل أصبح هناك شراكة لمختلف الجهات المعنية بالتقييم، وأخذ ذلك شكل ما يدعى 360? حيث دخل في التقييم مزود الخدمة ومتلقي الخدمة والعميل الداخلي والعميل الخارجي.. دخل الزميل في العمل.. بل هناك دور للمرؤوس في تقييم الرئيس أو المدير.ز بمعنى تكاملية ودائرية التقييم.. كما أن التقييم أصبح يأخذ مجالات متعددة وليست مقصورة على إطار التوثيق الكتابي أو شهادة المدير، ودخلت مجالات شخصية واجتماعية ونفسية ضمن معايير التقييم.. أي أن التميّز ليس فقط في القيام بالعمل المطلوب كما كان سائداً.. لكن التميّز هو القيام بالعمل بأفضل ما يمكن ضمن الوسائل المتاحة والظروف والسياقات المتوفرة..
من هنا جاءت فكرة ومشاريع التميّز التي رعاها جلالة الملك والملكة حفظهما الله.. فكانت جائزة الملك عبد الله الثاني للتميّز الحكومي باكورة هذا العمل الوطني المتميّز.. وجاءت جائزة الملكة رانيا للمعلم المتميّز لتثري المشهد الوظيفي، وتمنح شريحة هامة وواسعة من قطاع الموظفين وهم المعلمين، أرفع الجوائز التقديرية التي تعمل على تحسين وتطوير الأداء.. فهذه الجوائز ليست غايةً بذاتها، كما هو سائد لدى العديد من المؤسسات العامة التي وصل الحال بإحداها أن قام مديرها العام بالطلب من كافة الموظفين ضرورة ( حفظ وتسميع الرؤية والرسالة والأهداف) لمؤسسته.. ولأن هناك رؤية حصيفة وحكيمة، كان الاهتمام بتوفير جائزة المعلم المتميّز.. فالمعلّم وضمن الفهم والسياق التربوي التقليدي، يتم تقييم أدائه من خلال خطط متواضعة ومهام ضيقة ومحددة، ونذكر كيف كان التفتيش هو السائد كنظام وذهنية إدارية، فكان الهدف البحث عن الأخطاء والهفوات الساذجة وتضخيمها واعتبارها جرائم وظيفية، وكان المفتش بمثابة كاميرا لتصيّد الأخطاء.. ثم حدث تطور في هذا المجال حيث أصبح المسمّى التوجيه التربوي، ومن ثمّ أصبح الإشراف التربوي، وصولاً إلى التنسيق، وانتهاء بالدعم والإسناد التربوي.. وهذه تطورات استدعت وقتاً وجهداً طويلين، كان المعلّم أثناءها المتهّم والمدان الجاهز والدائم.. فكان أول من يعاقب وآخر من يكافأ.. لهذا كلّه تجيء جائزة الملكة رانيا لتعيد صياغة العديد من المسلمات المتقادمة، ولتعيد الاعتبار لمكانة المعلّم والتعليم.. علينا أن ندعم ونساند هذه الجهود الطيّبة للقائمين على الجائزة، فالمعلّم هو التعبير الواقعي والحقيقي عن مستوى تقدّم وثقافة المجتمع.. وإذا أردت أن تحكم على المجتمع، عليك أن تنظر إلى المعلّم له وفيه..
E-mail:majedkhawaga9@yahoo.com