"تطوّر لفظة الله " عبر الأزمنة والتاريخ والأمم أعنفها إلهكم يا " إسرائيل "!
أ. د . ثريا ملحس
04-05-2008 03:00 AM
من عادتي حين أحمل القلم أدير ظهري لكلّ التعليقات والتحليلات والتشدّقات والتنبّؤات والتكرارات حول حاضرنا الراهن وما تمرّ به بلادنا العربيّة من مآسي ومجريات. فضلًا عمّا يحدث على الكرة الأرضية لأنّني أتفرّى معرفة الأسباب والمسبّبات والعلل. وربّما الحلول من دون أن أهبط الجرائد اليوميّة وكتّابها المكشّرين.. ثمّ أمشي وأمشي. وأظلّ ألتفت إلى الأمام أسابق الزمان! ولا ألتفت إلى الوراء.
ولكنّني لا أنكر أنّني أفرح حين ألتقي زملاء يفكّرون مثلي وإن قلّة. فأنا إنسان مفكّر كاتب شاعر قبل أن أكون أيّ شيء آخر. أي أنّ قلمي يتجاوز الأنوثة والذكورة والمذهب. بتجرّد مطلق بلا تصنيف أو زجّ في زاوية من زوايا المجتمع الكثيرة تقاليد وموروثات.. ولكنّني لا أدير ظهري للتاريخ ولا للماضي ولا للحضارات التي تتنامى وتتحوّل وتتطوّر دائمًا على حسب ما تكتشفه عبقرية الإنسان إبداعًا وعلمًا وفنًّا ورؤيا وخوارق.
ولا بدّ لي من أن أسوق هذا التمهيد الذي ينطبق على كلّ ما خطّه قلمي وما يخطّه.. هكذا نشأت.. هذا أنا.. فالجنس في الجسد وحسب وإنّما العقل والفكر والقلم مجتمعة وحدة متكاملة فوق جميع المعايير الشعبيّة المتداولة سواء عبّر عنها النقّاد بمفاهيم مخطئة متوارثة أم المجتمع المكبّل بالسلاسل والقيود. والآن أرغب في متابعة ما كتبته سابقًا في هذا الموقع الذي يشبه في نظري »الهايد بارك«، المنبر الحرّ.
* * *
كان الإنسان منذ كان يتآلف مع الطبيعة ومع كلّ ما فيها من كائنات وجبال وصخور وأودية وصحارى وأنهار وبحار وما في أقماسها, فضلًا عن الفضاءات التي عبّر عنها بالسماوات.. وما فيها من نجوم وكواكب صغيرة وكبيرة, منها ما يرى بالعين. وكان الإنسان منذ كان يبحث عن خالق تلك الأشكال والألوان. تبهره تارة وترعبه تارة أخرى. لكنّه ظلّ باحثًا عن خالقها لكي يعبده ويشكره. فظنّ أنّ الشمس والقمر والزهرة هي القوّة الخالقة فعبدها. وربّما عثر على حجر غريب فألَّهه. أو شجرة نادرة. أو ناقة سوداء. أو صخرة مختلفة الشكل. أو غير ذلك من مظاهر الطبيعة. وربّما جعل لكلّ ظاهرة في الطبيعة إلـهًا كما فعل الإغريق وغيرهم من الأمم الغابرة. فالعرب الجاهليّون عبدوا أصنامًا شتّى على حسب مفاهيمهم. لكنّ الإنسان لم يقتنع بكلّ هذه الأمور فظلّ باحثًا عن خالق الأكوان كلّها بما فيها من بشر وحيوان وشجر حتّى توصّل إلى فهم لقوّة واحدةٍ كبيرة واجبة الوجود فسمّاها »الله« أو الربّ. ولكنّه أعطى صفات له. إمّا رحيمًا. وإمّا قاسيًا منتقمًا شرسًا لا يرحم سوى قومه فبدا عنصريًّا لا يقبله العقل. بلا تفاصيل فأصبحت القوّة موحّدة وإنما باختلاف النظرة إليها. فإن كان »الله« هو القاسي العنصريّ المنتقم الذي يحثّ على حرق الأخضر واليابس والكائنات الأُخر ما عدا القوم الذي اختار كما قوّل على لسانه زورًا وبهتانًا كما وصفه يهود التوراة، فإنّ »الله« في فهم المسيح الأكرم عيسى ابن مريم هو العطوف المحبّ الداعي إلى السلام والمحبّة.. ناقضًا فهم الله في يهوديّة التوراة كليًّا. وقد ملأ العالم حقدًا وكراهية ودماء وتدميرًا داعيًا إلى إفناء البشر ما عدا قومه الذين دانوا باليهوديّة! وسمّوا أنفسهم، مغالطة وزورًا، »شعب الله المختار«!
أمّا عقيدة العرب الرحماء فقد تجلّت واضحة في القرآن الكريم. فالله هو كونيّ. خلق البشر متساوين. وهو واحد أحد لا يجزّأ. ليس له بداية ولا نهاية. لا يوصف بشيء إلاّ بذاته. خالق السموات والأرض وما فيها وما عليها.. هو الله فوق الزمان. وفوق المكان. وقد وحّد البشر إذ لا فرق بين الأجناس والألوان والأشكال والكائنات وما في الطبيعة كلّها.
كما أنّ القرآن الكريم وحّد الأنبياء المصلحين. والأديان كلّها. وأوّل من أشار إلى عولمة العالم وعالميّة العالم والبشر. والله هو رحمان رحيم شديد على الوثنييّن الذين يعبدون الأصنام المختلفة الموروثة أو المستحدثة في عصر المادّة وعصر المصالح النفطيّة..
فالرسول الأكرم محمّد بن عبد الله قلب فهم »الله« رأسًا على عقب. على رؤوس من احتكروه لمصالحهم الشخصيّة أو القوميّة. فتألّقت صفات الله في القرآن الكريم بلا صفة بشريّة. وحّد العالم كلّه تحت رايته لأنّه لا يميّز أمّة دون سواها كما ميّز ربّ التوراة اليهود. فما جاء في التوراة كتاب اليهود كان حافلًا بالعنصريّة والعنف والقسوة.
سمّى العبران إلههم، كما جاء في توراتهم: »يهوه«. و»إلوهيم«. و»أدوناي«. ولعلّ اليهوديّة مشتقّة من »يهوه« الربّ الذي اختار شعبه دون سواهم! فاليهوديّة هي دين قبيلة العبران العربيّة. فأوّل مغالطة تسمية شعب ما باسم دينهم. فالعبران قبل كلّ شيء، هم من القبائل العربيّة القديمة الآتية من قحطان اليمن. وهناك نسب واضح بينهم وبين القبائل العربيّة القديمة ولغاتها معتبرين أن العربيّة القديمة، قبل لهجة قريش الشماليّة, هي أمّ اللغات العربيّات القديمة. منها لغات مندثرة كالآراميّة والآشوريّة والبابليّة والكنعانيّة وغيرها. ومنها ما تزال حيّة مثل السريانيّة والعبرانيّة.. والعربيّة التي أكثرها قوّة وحياة وتطوّرًا عزّزها مجيء القرآن الكريم بها. وهي إحدى اللهجات العربيّة. معتبرين أنّ اللغات المندثرة والحيّة هي أصلًا لهجات للّغة العربيّة الأم القديمة. وقد أصبحت لغات حين استقلّت عن أرومتها.
وقبل أن أعود إلى توراة اليهودية اليوم لا بدّ لي من ذكر مغالطات مهمّة في فهم العبران لأمّتهم ولغتهم.
أوّل مغالطة: الحقيقة أنّ العبران هم من القبائل العربيّة القديمة, وهم في حظيرة العرب. قبيلة من قبائلها. دينهم اليهوديّة. لذلك لا يطلق هذا الاسم الدينيّ على العبران بدلًا من قوميّتهم العبرانيّة أو أمّتهم. فالدين ليس قوميّة بل هو مجموعة من العقائد مثل سائر الأديان كالمسيحيّة والإسلام.
ثاني مغالطة: الحقيقة إنّ اللغة العبرانية هي لهجة من لهجات اللغة العربيّة القديمة، التي أصحبت لغة فيما بعد للعبران. فالمقارنة اللغويّة تشير إلى ارتباط العبرانيّة باللغة العربيّة جذورًا وصرفًا وكتابة. وهناك كلمات متشاركة بينهما.
ثالث مغالطة: إنّ إسرائيل لا تطلق على أمّة بدلًا من »عبران« فالدولة هي دولة عبرانيّة لا »دولة إسرائيليّة«. فإسرائيل لفظة عنصريّة تعني »أسرة الله« (إيل). والله لا أسرة له ولا شعب بل هو إله السماوات والأرض وما بينهما وما عليها.
رابع مغالطة: ليس لله عقيدة. والله لا يتدخّل في القتل والعنف وسفك الدماء لمن لم يكن على عقيدته! والله لا يدعو إلى قتل البشر وإفنائهم لأنّهم ليسوا على العقيدة اليهوديّة! فالله تعالى كونيّ لا يتدخّل في أمور البشر لأنّه كلّ الخير ولا يصدر عنه إلّا الخير. أمّا الشرّ فهو من عمل الشيطان في الإنسان. إنّ الله منحنا العقل والحريّة والإرادة والاختيار لكي نفصل ما بين الحقّ والباطل. وما بين الخير والشر..
خامس مغالطة: جعل الدين اليهوديّ قوميّة بدلًا من القوميّة العبرانيّة، لا يجوز أن يطلق على العبران يهود فيقال الدولة اليهوديّة. والصحيح العبرانيّة. فالعبران من القبائل العربيّة، تدين إمّا باليهوديّة وإمّا بالمسيحيّة وإمّا بالإسلام. واللغة هي اللغة العبرانيّة، كانت لهجة من اللهجات العربيّات القديمة التي أصبحت لغة مثل شقيقاتها العربيّات (الساميّات / خطأ). ولعلّ اللغة العبرانيّة، كسائر اللغات، هي أقوى مظهر من مظاهر القوميّة. وحين تدفّق »اليهود« إلى فلسطين أثناء الحرب الكبرى الثانية هربًا من الاضطهاد الأوروبيّ، ولا سيّما الألمانيّ النازيّ، كانوا من جنسيّات شتّى. بلغات شتّى. لا يربطهم شيء سوى كونهم يهودًا بالمذهب. وكنتُ طالبة في الكلية البريطانيّة الثانويّة في القدس. أوّل شيء فعلته الطالبات اليهوديّات المتظاهرات في الكليّة مطالبتها بتدريسهنّ اللغة العبرانيّة لكي يتوحّدوا. فاللغة هي من أهمّ روابط القوميّة. فاستجابت الكليّة وفتحت فرعًا لتدريس العبرانيّة!
أمّا الصحيح باختصار مفيد فهو أنّ العبران هم فرع من الفروع العربيّات. كانوا قبيلة من قبائلها العربيّات (الساميّات / خطأ).. لغتها العبرانيّة لهجة من اللهجات العربيّات القديمة التي أصبحت لغة فيما بعد، مثل العربيّة الفصحى التي هي أصلًا اللهجة القرشيّة.
على العبرانيّين المحدثين أن يفتحوا دفّتي التاريخ ويقرأوا بانفتاح عقليّ وقلبيّ، وأن يعودوا إلى منابتهم وأصولهم مع هامات العربيّات أصلًا.. يهود عقيدة وحسب. وعبران جنسًا ولغة.
سادس مغالطة: إنّ الأديان الكبرى الثلاثة مستقلّ أحدها عن الآخر أو منفصل بعضه عن بعض، وإنّما في قراءتنا التاريخيّة نجد أنّها صادرة عن العقائد العربيّة، مؤتلفة ومختلفة. يدين بها العالم بأسره. فهل يعترف العالم الأوروبيّ والأمريكيّ بأنّه يتبع عقائد دينيّة عربيّة؟! وقد اختلف الخطاب الفقهيّ فيما بينها يفهم الله وتفسير أسمائه. فمن التوراة إلى الإنجيل إلى القرآن توسّع الإدراك الإنسانيّ. فبعد أن كان »الله« عند العبران »يهوه« وربّما أصبح فيما بعد »يهود« عقيدتهم، التي جعلتهم خالقًا عنصريًّا لا يعترف إلّا باليهود لأنّهم شعب الله المختار أي »إسرائيل« (أسرة الله)! وهو إله عنيف. قاس. يأمر بالقتل والدمار وشرب الدماء (دماء الأعداء)، في خطابهم الفقهيّ. ثمّ أصبح »الله« بمجيء المسيح إله المحبة والتسامح والسلام، لكنّه إله تجسّد على الأرض كما جاء في خطاب المسيحيّة الفقهيّ. ثمّ أصبح »الله« في القرآن الكريم بمجيء محمّد بن عبد الله، إلهًا كونيًّا لجميع البشر بلا فروق، خالق الأكوان والسماوات والأرض وما فيها. وخالق البشر والحجر والشجر وكلّ الكائنات. وهو واحد أحد لا شبيه له. لا يشبه أحدًا إلا ذاته. قادر بذاته. عالم بذاته. ليس له بداية ولا نهاية وهو على كلّ شيء قدير، وإن تفاوت الخطاب الفقهيّ في المذاهب الإسلاميّة. فالقرآن الكريم، والإسلام عقيدته، هو عالميّ. فمعنى الإسلام من أسلم أمره لله تعالى، فبذلك توحّدت الشعوب كلّها تحت راية الله كما توحّدت الأديان.
الله / والتوراة والحاضر:
ذكرت سابقًا بعض المغالطات أهمّها أنّ اليهوديّة هي عقيدة دينيّة دان بها الشعب العبرانيّ، وقد جعلها الأوروبيّون قوميّة. وهم حقيقة عبران وإن هاجروا إلى أوروبا وعاشوا فيها طويلًا.. بين أجناس شتّى. ولغات شتّى. ولم يكونوا سعداء لكونهم عنصريّين كما هو إلههم...
... بلا تفصيل، وعدتهم بريطانيا المستعمرة، ربّما للتخلص منهم، بفلسطين العربيّة وطنًا لهم أو لجزء من فلسطين العربيّة، فكأنّ بريطانيا المستعمرة وهبتهم أرضًا كانت في أملاكهم! وربّما سبقهم الإمبراطور نابليون بالوعد! ومرّت الأسطورة حتّى أصبحت فلسطين مشطورة، فهاجروا إليها من أصقاع العالم، وأسّسوا دولة لهم سمّوها »دولة إسرائيل« وهي في الواقع »الدولة العبرانيّة« (وليس العبريّة).
وإسرائيل تسمية عنصريّة معناها »أسرة الله«.. والله ربّهم ميزهم من سائر البشر واصطفاهم على الناس أجمعين! فالعقل يعتبرها أسطورة للترويج! فمن هو »الله« (يهوه) التلموديّ، التوراتيّ فيما بعد؟ وما هي طبائعه وتعاليمه وأوامره ومواقفه العنصريّة الدامية القاسية العنيفة تُرى؟
نعود إلى التوراة التي تأثّرت بالتلمود أو انحرفت عن التوراة الحقّة. فهل يعقل أن يؤمن اليهوديّ بأنّ »يهوه« الربّ هو ربّ اليهود وحسب؟! وهل يعقل أن يكون اليهود هم »شعب الله المختار«؟! وهل يأمر الربّ بقتل كلّ من لم يكن على غير دين اليهوديّة؟!
أمّا قراءاتنا الجديدة فتقول إنّ تسمية »إسرائيل« أي أسرة الإله (أسرة إيل) هي من أكبر المغالطات التي يردّدها الناس بلا تفكير ولا تساؤل ولا بحث عن حقيقة معنى اللفظة وكيف تمّ تعريبها أو عبرانيّتها؟ »فإيل« هو إله الكنعانيّين العرب القدامى. بناء عليه فاليوم خطأ فادح أن يكرّر العالم »دولة إسرائيل« أو »دولة اليهود«، وهي في الواقع الدولة العبرانيّة. كما العبران كانوا دائمًا مندمجين بفروع القبائل العربيّات، وأقربها العربيّة.. فكيف آمن قادة الصهاينة الأوروبيّين بهذه التجاوزات؟! ولماذا طرد الأوروبيّون اليهود من بلادهم، وساعدوهم (غباءً) لكي يرحلوا. وقد أصبحوا شعوبًا وأجناسًا شتّى لا يربطهم شيء من قوميّة مستقلّة عن العرب؟.. هذه الأسئلة تحتاج إلى قراءة وتفاسير جديدة. لست في مواضعها ولا صددها، وإنّما يهمّني أن أعود إلى التوراة التي بين أيدينا. فالأديان الثلاثة الكبرى المذكورة هي من الفكر العربيّ وتأمّلاته. فأنبياؤها أو رسلها أو حكماؤها أو واضعو الفضائل الثابتة هم عرب، أي من القبائل العربيّة.. فمن إبراهيم العبرانيّ العربيّ إلى المسيح الكنعانيّ العربيّ إلى محمّد بن عبد الله القرشيّ العربيّ. فالعالم كلّه يا أمريكا المتكبّرة المستعمرة، ويا أوروبا ويا شعوب العالم أنتم تدينون بمسيحيّة العرب ألا تعرفون؟! ويهوديّة العرب، وإسلام العرب! ألا تفهمون يا عالم؟!
سابع مغالطة: إنّ الإعلام اليوم يروّج لفئة ضالّة من البشر بعودة الدول الدينيّة كما كانت في القرون الوسطى. ومن قراءتي لمنطق التاريخ أقول بصراحة التاريخ إنّ هذا العصر لن يقبل بالعودة إلى الدول الدينيّة أو الطائفيّة العنصريّة. وما نسمعه إلّا »فقّاعات« مرعبة. إذ إنّ الدول الدينيّة تفصل البشر بعضهم عن بعض بدلًا من توحيدهم بسيطرة المخترعات والتكنولوجيا التي يشترك فيها كلّ العالم وأينما كان البشر. فهي ملك الجميع بلا تفرقة، بلا حدود، بلا سدود. نحو عالميّة شاملة ربّما سمّيت بالعولمة، وإنّما العولمة العادلة التي لا تحتكر أرزاق البشر... فلتبق الأديان شغل رجال الدين المتخصّصين، وفي معابدهم. وليبق الله في صدور المؤمنين.
وقبل أن أعود إلى فهم اليهوديّة التوراتيّة لله، فلا بدّ من ذكر الحقيقة الراهنة كما أقرأها: إنّ عقيدة الشعب العبرانيّ هي اليهوديّة. وإنّ الشعب العبرانيّ هو من الشعوب العربيّة. وإنّ اللغة العبرانيّة هي إحدى شقيقات اللغات العربيّة أو العربيّات (الحيّة والمندثرة كالكنعانيّة والآرامية والبابليّة والأشوريّة وغيرها). ولعلّ اللغة العربيّة هي أكثرها حيويّة وحياة لما تتحلّى بها من عوامل الارتقاء اللغويّ في اشتقاقه وإعرابه وصرفه ونحوه.
وتشترك اللغات العربيّات في حروفها وفي خطّها وفي صرفها وفي كثير من أصول جذورها.. ولعلّ أقربها هي العبرانيّة والسريانيّة (الآراميّة القديمة). فالجامع المشترك بين اللغات العربيّات كثيرة. لذلك فهي أقرب إلى فصيلة العربيّات من اللغات الآريّة. واللغة من أهمّ روابط القوميّة أو الأجناس، إن لم تكن أقواها.
وقبل أن أعود إلى فهم اليهوديّة التوراتيّة، المتأثرة بالتلمود العنصريّ الصهيونيّ الموضوع من قبل ثُلّة ضالّة للاستئثار بالإله الربّ العنصريّ المدمّر!
بلا تفصيل.. أكتفي باستشهادات من التوراة التي بين أيدينا، والتي لا تخلو من الأساطير واللامعقول والتهويل، يرفضها العقل والمنطق والواقع الإنسانيّ، ربّما كسائر معظم الأديان. أوردها بلا شرح ولا تعليق ولا مساءلة.
إنّ الإله »يهوه« الربّ في التوراة هو إله عنصريّ قاس عنيف يأمر اليهود بالقضاء على كلّ من لا يدين بدين اليهوديّة بلا رحمة ولا تردّد وإنّما باستكبار واستئثار.
كتبت بحثًا في إنسانيّة الحرب عند العرب ولا إنسانيّته عند يهود التوراة (راجع كتاب كلام مستمرّ عبر الأيّام والسنين، عمّان، 2008م. ص: 371 وما بعدها).
وهنا أكمل ما مهّدت إليه في مقالي هذا. وقد نشر في موقع عمّون من قبل.. وقد نقل من التوراة حرفيًّا في ما نشأ عليه »الإسرائيليّون« يهود التوراة الراهن، وأصبح من موروثاتهم في هذا العصر! طبّقوه لطرد الفلسطينيّين من بلادهم. وبلاد آبائهم وأجدادهم منذ كانت فلسطين الجغرافيا والتاريخ. فهي بلاد الكنعانيّين العرب منذ مئات آلاف السنين وربّما أكثر!..
أمر الربّ اليهود وحثّهم على القتل وخاطبهم: »فإذا أتى أحدهم على مدينة قتلوا بها كلّ الأطفال وكلّ النساء والشيوخ. وسبوا ونهبوا وحرقوا ودمّروا« (تكوين، 34: 25-29).
* »فتجنّدوا على مديان كما أمر الربّ وقتلوا كلّ ذكر. وسبى بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم. وجميع مواشيهم وكلّ أملاكهم. وأحرقوا مدنهم بمساكنهم. وجميع حصونهم بالنار. وأخذوا كلّ الغنيمة، وكلّ النهب من الناس والبهائم. وأتوا إلى موسى والعازار الكاهن. وإلى جماعة بني إسرائيل بالسبي والنهب والغنيمة«! (عدد، 31: 1-12).
* »وحين تقرب من مدينة لكي تحاريها استدعها إلى الصلح. فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكلّ الشعب الموجود يكون لك للتسخير. ويستعبد لك. وإن لم تسالمك بل عملت معك حربًا فحاصرها. فإذا دفعها الربّ إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحدّ السيف. وأمّا النساء والأطفال والبهائم وكلّ ما في المدينة فتغنمها لنفسك. هكذا تفعل بجميع هؤلاء الأمم هنا. وأمّا مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الربّ إلهك نصيبًا منها فلا تستبقِ منها نسمة ما (!) بل تحرمها (تقتلها) تحريمًا«! (تثنية، 20: 10-18).
* »وضرب داود الأرض، ولم يستبق رجلًا ولا امرأة... وهكذا عادته كلّ أيّام إقامته في بلاد الفلسطينيّين«! (صموئيل الأوّل، 27: 9-11).. »فضربهم داود من العتمة إلى مساء غدهم. ولم ينج منهم رجل إلّا أربع مئة غلام الذين ركبوا جمالًا وهربوا« (صموئيل الأوّل، 30: 17).
أمّا قائدهم يشوع بن نون فهو مثلهم الأعلى، إذ عندما دخل أريحا الفلسطينيّة مع قومه »حرموا (قتلوا) كلّ ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتّى البقر والغنم والحمير بحدّ السيف«! (يشوع، 6: 21). كذلك كان يفعل بكلّ قرية يدخلها »لسكّان عاي، إذ أحرقها وجعلها ركامًا أبديًّا«! (يشوع، 8: 22-30)، وكان يأمرهم أن يضعوا أرجلهم على أعناق ملوكهم إذ قال لهم: »لا تخافوا ولا ترتعبوا. تشدّدوا وتشجّعوا لأنّه هكذا يفعل الربّ بجميع أعدائكم الذين تحاربونهم«. وضربهم يشوع بعد ذلك وقتلهم وعلّقهم (يشوع، 10: 24-27). وهكذا فعل بمقيدة، ولبنة، ولخيش، وما نقلناه غيض من فيض.
وأخيرًا وليس آخرًا.. حين دار الزمان وقفز إلى هذه الأيّام، وتمزّقت فلسطين واحتلّها »الإسرائيليّون« أجرى العالم الباحث الأمريكيّ هـ. تامارين استمارة واستفتاء على سؤال أعدّه لأطفال إسرائيليّين في المرحلة الابتدائيّة بمدارس مختلفة من الصفّ الثالث إلى الثامن). أمّا السؤال فهو عن مسلك القائد الإسرائيليّ التوراتيّ يشوع بن نون. وسفره يدرّس في مدارسهم تلك. وكيف كان يستبيح المدن الفلسطينيّة بحدّ السيف ولا يترك نسمة حياة في القرية التي يقتحمها..
والسؤال هو: »هل تعتقد أنّ يشوع بن نون الإسرائيليّ وجماعته تصرّفوا صحيحًا أو غير صحيح؟ إشرح سبب الرأي الذي تبديه. لنفترض أنّ الجيش الإسرائيليّ قد احتلّ أثناء الحرب قرية عربيّة فهل هو جيّد أو سيّئ أن يتصرّف على هذا النحو مع سكّان هذه القرية كما تصرّف يشوع بن نون مع شعب أريحا؟
وكانت أجوبة 95% يؤيّدون عمل يشوع بن نون ورجاله، إذ ليس لديهم وقت لإضاعته، ويجب أن يحتلّوا البلاد كلّها (!) (راجع الاستفتاء من كتاب: عروبة فلسطين في التاريخ ــ الملحق رقم 2: 193-196).
أمّا مقالي التالي امتدادًا لمقالي هذا فسأخاطب العبرانيّين العرب، والعبران هم قبيلة من القبائل العربيّات، وقد انشقّت عنها بعد أن انتشروا في البلاد الأوروبيّة. والأمريكيّة فيما بعد، وأصبحوا أجناسًا شتّى بلغات شتّى، لا يربطهم شيء حتّى اللغة العبرانيّة التي هي من أهمّ روابط القوميّة دائمًا. لعلّ العبرانيّين يقرأون التاريخ قراءة جديدة بلا أساطير، ولا أكاذيب، ويعودون إلى منبتهم وأصلهم ولغتهم، جميعها متفرّعة من منابت عربيّة...
نيسان، 2008م