الخوف على المصير حين يصبح سياسة
سامي الزبيدي
18-03-2007 02:00 AM
- ليس صدفة أن تتحدث مبادرات السلام عن حل النزاع العربي مع إسرائيل عبر تكريس مصطلح حل الدولتين فإذا كانت فلسطين دولة قيد التأسيس فالمصطلح يكرس ذات المعنى على إسرائيل ، وإلا لما قامت الدولة الأكثر رعاية لإسرائيل ( الولايات المتحدة) بترويج مصطلح الحل القائم على الدولتين ، فبعد التأسيس الذي تشرعن بقرار دولي قبل أكثر من نصف قرن ها هو السؤال الكبير يطرح مجددا وكأننا لم نبرح بعد العام 1948 : هل يقبل منطق التاريخ أن يجري الاعتراف بدولة إسبارطية قائمة على إعلاء منطق الأسوار وإدارة الظهر لمحيطها والسعي الحثيث لاختيار الجيران بعكس منطق الجغرافيا؟! كل تلك الأسئلة وغيرها من ذات الصنف الوجودي كانت ولا زالت تطرح بضراوة حول مستقبل هذا الكيان ومن قبل الأصدقاء القلائل والأعداء الكثر على السواء، لكن بصعود أيهود اولمرت إلى سدة السلطة في تل أبيب وفي لحظة فراغ قيادي تاريخية في إسرائيل تحولت تلك الأسئلة من الخارج إلى الداخل وأضحت أسئلة محلية يسمعها المراقبون ليس فقط في مراكز البحث وفي أروقة النخبة هناك بل أضحت سؤالا شعبيا بامتياز ، فالميزة النسبية لرئيس الوزراء الحالي انه حول أسئلة أصدقاء وخصوم دولته على السواء إلى أسئلة إسرائيلية خصوصا وهو يحكم بموافقة 2% من أبناء شعبه.
المفارقة الكبرى أن اولمرت لا يحكم إسرائيل بأقل نسبة من الرضا الشعبي فقط بل يجلس في كابينة القيادة لحزب يكاد يتحلل إلى عوامله الأولية ، فقوة الصهر التي كان ارئيل شارون يوفرها ليجانس بين الخليط العمالي والليكودي تبددت وتحولت الى قوة طرد مركزي باعتلال صحة ذاك الجنرال والآيديولوجيا المبتكرة والقائمة على مفهوم الانطواء ذهبت مع الريح وقوة الردع المتوهمة أضحت ك الوهم المتبدد والذراع التي كانت في لحظة ما طويلة قصرت في لبنان لتصبح كالطرف الصناعي صلابة لكن بلا روح وهشة لا تدانيها هشاشة ، فلا صيف غزة أمطر ولا مارون الراس انحنى.
كان يخشى مناحيم بيغن قبيل موته من أن يفقد الشبان في إسرائيل الحماس الصهيوني وتصبح إسرائيل كيانا بلا روح لكن اولمرت لم يشأ أن ينتظر مفاعيل التاريخ فسرع من عوامله لتأتي الإجابة بأقل من ثلاثة عقود، على موت بيغن فتطرح أسئلة العام 1948 مجددا وكأنها البارحة لتخوض إسرائيل حرب استقلالها كل طالع شمس.
لقد جرب العامل الاميركي لإدامة الدولة الإسرائيلية في أكثر من مناسبة تاريخية وكان العامل الاميركي حاسما في إنقاذ إسرائيل وقلب نتائج الصراعات لمصلحتها ومن الطبيعي أن يكون أيهود اولمرت الأكثر خشية من أن تطرأ تبدلات على العامل الاميركي في المنطقة لأنه يعلم بالتجربة أي روح تتحلى بها إسرائيل في عهد حكمه، فالجسر الجوي يمكن أن ينقل الأسلحة الذكية لكنه يعجز عن بناء جسر جوي مماثل لنقل الروح المعنوية التي أضحت في الحضيض .
يفهم حكماء العرب مضامين المقولة الشهيرة لرئيس وزراء بريطانيا الأسبق السيد انتوني إيدن حين قال إن المعاهدات السلمية تبرم بين الأعداء وليس الأصدقاء ولهذا كانت المبادرة العربية قائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام لكن من كان ضعيفا في الحرب فانه لن يقوى على السلام، ومن لم يفز بثقة شعبه كيف يكون موضع ثقة الآخرين، ومع ذلك فإننا نقول : إن محاولة تسويق المخاوف الذاتية ورميها على الجوار ليست سياسة حكيمة تنم عن ثقة بالنفس بل ربما تكون ضربا من ضروب الوسواس القهري الذي أصبح سياسة معلنة بعد سلسلة الأزمات والهزائم العسكرية والسياسية، وليس اخطر على القائد من أن يصبح الخوف لديه سياسة متبعة سواء كان خوفه على المصير الشخصي أو الوطني.
حين خاطب الملك عبد الله الثاني الأمة الاميركية بلغة تفهمها مدافعا عن القيم النبيلة للسلام فانه بذلك قد اغضب أولئك الذين يخشون الانخراط في السلام، ومعلوم ان القادة الضعاف هم وليس غيرهم من يخشى استحقاقات السلام ، وحين تحدث الملك لم يكن ليتحدث باسم الأردن فقط بل باسم كل العرب من موقع الواثق بعمقه الكبير المتمثل بالأمة العربية والعالم الإسلامي وهذا العمق لا يحتاج لجسر جوي من الدعم.
ميزة اولمرت انه حول الأسئلة المصيرية لدولة إسرائيل من كونها أسئلة دولية وإقليمية إلى سؤال محلي بامتياز لذلك فانه ينوب عن خصوم بلاده في تحقيق ما عجزوا عنه، ربما هي واحدة من سخريات القدر غير