الموقف العربي المخجل من ترشح الأمير علي بن الحسين لرئاسة الفيفا يشير بوضوح إلى كم نحن كأمة ما زلنا عاجزين عن التصرف كلحمة واحدة، بعيداً عن الحساسيات الصغيرة والحسابات الضيفة المريضة. ولقد خسرنا كل معاركنا نتيجة هذا الوضع دون أن يعتبر أحدٌ منا.
لقد أثبتت أوروبا مرة أخرى أنها قارة الحضارة وأنها تستحق أن تقود العالم؛ لأن من فيها يحكمون على الأمور بمنظور الصالح العام بعيداً عن الحسابات الرخيصة.
العرب كعادتهم، ينقلبون على أنفسهم ومصالحهم، ويتآمرون على مستقبلهم، ويحاولون أن يطفئوا كل نار لهم، والأردن قدره تاريخياً الحساسية المفرطة منه ومن ثقله السياسي في العالم من قبل عرب كثيرين.
وقد جاء ثقل الأردن وجاءت مصداقيته نتيجة نشاطه وديناميكيته ومصداقيته في مواقفه، فحاز على احترام كل الأطراف الفاعلة في العالم.
التبريرات التي ساقها العرب الذين وقفوا ضد ترشح الأمير علي بن الحسين لانتخابات رئاسة الفيفا تبريرات ساذجة وسخيفة، وتدل على مدى هزالة موقف هؤلاء، وتفضحه، فهذا يقول، إن الأمير لم يخبره بترشحه، وذاك يقول، إنه وعد بلاتر قبل أن يعلن الأمير ترشحه، ونسي هؤلاء الصغار أن المصلحة القومية عندما تدق ساعتها تتفوق على كل الأسباب والمبررات.
ماذا لو نجح الأمير في الوصول إلى رئاسة الفيفا؟ هل سأل هؤلاء أنفسهم هذا السؤال الكبير، وتخيلوا مدى الفائدة التي ستتحقق للعرب على الجانب المعنوي والمادي، فهم الآن وسابقاً ينظر إليهم في الفيفا على أنهم صف ثانٍ وثالث، وكان برنامج الأمير أحد محاوره الرئيسة إنصاف الدول العربية في هذه المؤسسة الدولية، وإخراجهم من الهامش، وجعلهم في قلب هذه المؤسسة، لكن للأسف حساباتهم الصغيرة وأمراضهم جعلتهم يضيعون هذه الفرصة، وظهروا للعالم كم هم أمة متفرقة، وصغيرة في تفكيرها، وأن الأمراض التي فتكت بهم ما زالت تسيطر على عقولهم وأرواحهم وأنفسهم.
والسؤال الكبير يبرز في هذا الكرنفال المخزي، هو ما سبب موقف المدعو جبريل الرجوب، رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، وهذه الشماتة الرخيصة بالنتيجة؟!!، لقد ضرب هذا الرجل بعرض الحائط كل شعارات التوأمة بين الأردن وفلسطين، والمصلحة الواحدة والمستقبل الواحد، وذلك من أجل مصلحته الشخصية، ومن أجل أمراضه النفسية، ومن العيب أن يمثل فلسطين بكل تاريخها ونضالها، وجهاد أبنائها، وشهدائها، رجل كهذا، في مؤسسة دولية كبيرة، ولكن السؤال الأهم، هل كان موقف جبريل منعزلاً عن قيادته السياسية؟! إذا كان كذلك فإننا مطالبون في الأردن بإعادة النظر بعلاقتنا مع السلطة، ولا نقول الشعب الفلسطيني، فهذا الشعب منا ونحن منه، اختلطت دماؤنا بدمائه، ومصالحنا بمصالحه، أما إذا كان تصرف على رأسه فإن المصيبة أعظم، فإذاً نحن أمام سلطة تدعي أنها تحكم الفلسطينيين وحريصة على مصالحهم، وكيف ذلك؟ وهي لا تملك سلطة على أحد موظفيها الصغار.
كان أحرى بهذا الموظف الصغير في السلطة الفلسطينية ان يرفع السيف بوجه من يحاصرون الشعب الفلسطيني ويقتلون أبناءه ويستبيحون حرماته لا أن يهزه فوق رأس الفاسد بلاتر، ويتراجع عن طلبه بشطب إسرائيل من الاتحاد الدولي، إذ كانت تبريراته سخيفة، وذات دلالة عميقة على شخصيته.
وفي النهاية يسجل للأمير علي بن الحسين أنه خاض تجربة صعبة أمام العالم، وأبهر الجميع بصلابته وعناده الرجولي ليقود مرحلة التغيير في الفيفا؛ التي تعاني من فساد نخر جذرها، وسيعلم الذين أخطأوا كم أجرموا بحق هذه المؤسسة. ويلٌ للأردن من قومه وأهله وأمته، فهم يريدون منه ثمن ثقله ومصداقيته في العالم ويواجهونه بنوايا غير سليمة، وغيرة مريضة وحسد بغيض في كل موقف مفصلي وهو يتقبل ذلك بنفس طويل وصبر جميل...لكن السؤال الذي يتردد في الشارع الاردني الى متى؟!!
الدستور