أشرنا في مقالات سابقة الى انقلابات جماعة التنظيم السري على نهج المرشد الاول للجماعة وعلى نهج مؤسس الجماعة في الاردن، مما جعل من السهل عليها ان تنقلب على اصدقاء الجماعة وحلفائها.. والادلة على ذلك كثيرة، ابرزها تجربة حزب جبهة العمل الاسلامي في الاردن الذي كان الهدف من قيامه أن يضم الشخصيات الاسلامية المستقلة، ومنهم من سبق وان ترك صفوف الاخوان ليكون الحزب اطارًأ شاملا وواسعا للعمل الاسلامي في الاردن. غير ان مجموعة التنظيم السري وضعت وثيقة سرية الزمت فيها الاخوان المسلمين بضرورة جعل الحزب مجرد شعبة من شعب الاخوان، يقررون هم كل كبيرة وصغيرة في الحزب، ثم تعرض القرارات شكليا على هيئات الحزب، وهكذا تم الانقلاب على الحلفاء من الذين شاركوا في تأسيس الحزب واستفرد الاخوان به، حتى صار شعبة من شعبهم لا يملك من قراره شيئا، مما دفع جل المستقلين الى الانسحاب من الحزب الذي صار الإخوان فيه يأكل بعضهم بعضاً بفعل صراع الاجنحة الذي سيطر على الجماعة وانعكس على الحزب. وآخر ذلك انقلاب مجموعة التنظيم السري على الاتفاق الذي تم بين اجنحة الاخوان، بان يكون الاستاذ سالم فلاحات أمينا عاما للحزب في الانتخابات الاخيرة، لولا انقلاب الساعة الاخيرة الذي قادته مجموعة التنظيم السري على اتفاقها مع اخوانها في الجماعة والحزب، وقبل ذلك انقلابها على الدكتور عبد اللطيف عربيات.
فاذا كانت مجموعة التنظيم السري قد انقلبت على اخوانها في الجماعة وشركائها في البيعة، فقد كان من السهل عليها الانقلاب على الحلفاء والشركاء من سائر مكونات المجتمع وخاصة قواه السياسية، وأوضح صور هذا الانقلاب ما جرى في لجنة التنسيق بين احزاب المعارضة، وأوضح تجليات الانقلاب على لجنة التنسيق التي كانت قاصمة الظهر لهذه اللجنة الموقف من تداعيات ما سمي بالربيع العربي، حيث ادارت مجموعة التنظيم السري المتحكمة بقرار الجماعة ظهرها لكل تحالفاتها وعهودها ومواثيقها، ظناً من رموزها أنهم قبضوا على زمام الامور في المنطقة، وانهم لم يعودوا بحاجة الى احد.. فاداروا ظهورهم للجميع، ليس في الاردن فحسب، بل وفي المنطقة كلها. ففي مصر تراجع الاخوان عن اتفاقهم والتزامهم بعدم ترشيح احد لانتخابات رئاسة الجمهورية، وفصلوا من صفوفهم عبد المنعم ابو الفتوح لانه قرر ترشيح نفسه لانتخابات رئاسة مصر. ثم فاجأوا الجميع بانقلابهم على اتفاقياتهم وتقدموا للانتخابات بمرشحين اثنين، هما: خيرت الشاطر مرشحاً، ومحمد مرسي مرشحاً بديلاً، وقد تابعنا جميعا سلسلة انقلابات الاخوان اثناء فترة مرسي على كل تحالفاتهم بما في ذلك تحالفهم مع حزب النور، وسائر القوى الاسلامية رغبة منهم بالتفرد في السلطة، كما رأينا الى اين قادتهم هذه الانقلابات، وهذا النزوع بالتفرد بالسلطة. وهنا نحب ان نشير الى انه مثلما ان مجموعة التنظيم السري هي المتحكمة بقرار الاخوان في الاردن، فإن رموز الجهاز الخاص هم اصحاب القرار في تنظيم القاهرة مما يفسر لنا العقلية الانقلابية الاقصائية التي تنقلب على الجميع، بما في ذلك المرشد العام الاول للجماعة، الذي اصدر بيانه الشهير (ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين) معلنا براءته من الجهاز الخاص وعقليته الانقلابية التي صارت تسير على هداها مجموعة التنظيم السري في الاردن.
وفي غير مصر، تم التنكر لدعم سوريا لحماس.. وسمعنا التبرير السطحي لهذا الانقلاب والتنكر بأن الشعب السوري هو الذي كان يحتضن حماس، وكذلك تمت ادارة الظهر لايران ولحزب الله، اي للشراكة مع ما كان يعرف بخط الممانعة وهو الخط الذي كان يسميه بعض كتاب الاخوان المسلمين «بالمحور المقدس» قبل ان ينقلبوا عليه ليصبح بعدما سمي بالربيع العربي «الشيطان» الذي يلعنونه صبح مساء..ظنا منهم ان ارشيفهم قد ضاع، وان احداً لا يملك ان يواجههم بما كانوا يكتبونه بالامس القريب من مقالات الغزل بمحور طهران – دمشق- الضاحية.
في ظل كل هذه الانقلابات التي اجملنا بعضها ولم نفصل فيها لم يكن مستغربا ان يقع انقلاب مجموعة التنظيم السري على العلاقة مع الدولة الاردنية، وهو ليس بالامر الجديد، فقد سبق وان نشرت وسائل اعلام خبر الاجتماع الذي ضم جلالة الملك حسين رحمه الله، وبعض المسؤولين الاردنيين مع قيادات اخوانية تقدمت بشكوى لجلالته من تضييق الاجهزة الامنية عليها، لكن قيادات الاخوان فوجئت بما واجهتهم به الدولة من معلومات وحقائق عن اتصالات خارجية اجرتها مجموعة التنظيم السري للجماعة مع دول تستهدف الاردن، بالاضافة الى تدريبات عسكرية تقوم بها الجماعة داخل الاردن وخارجه، ولم يكن ذلك خاتمة المطاف، بل لعله كان بداية مسيرة انقلاب بعض المحسوبين على الجماعة الذين صاروا يدفعون بقرار الانقلاب على الدولة الاردنية الى حيز التنفيذ.. والذي رأينا بعض مظاهرة اثناء احداث ما عرف بالربيع العربي، والذي وصل الى مرحلة استعراض القوة عبر العروض العسكرية، وصولا الى رفض ترخيص الجماعة باعتبارها اكبر من كل ترخيص. ان المتمعن في الخط الانقلابي الذي سلكه بعض المحسوبين على الاخوان المسلمين المتحكمين بقرار الجماعة، سيكتشف ان اهم اسباب بروز هذا الخط هو الانقلاب الاساسي على خط ونهج مؤسس الجماعة ومرشدها الاول، باعتبارها جماعة دعوية اصلاحية تربوية، يحكمها خلق الدعاة وتجردهم وتحولها الى جماعة سياسية يغلب عليها الخطاب السياسي واطماع السياسة ومصالحها وتقلباتها وانتهازيتها، ولعل هذا ما دفع الغيورين من ابنائها الى السعي لتصحيح مسيرتها، والتقدم بطلب ترخيص الجماعة لتعود جماعة وطنية تعمل في الضوء، كما اراد لها المؤسسون الاوائل عليهم رحمات الله.
الرأي