لا يخلو الأمر من تداخل وتشابك بين ما يجري في عالم الرياضة وعالم السياسة، حيث لا يستطيع محلل رياضي أو سياسي إنكار أثر بعض العوامل السياسية فيما جرى ويجري في انتخابات المواقع العليا في المؤسسة الرياضية العالمية الأولى (الفيفا)، وان هناك ألاعيب وكولسات وفهلوة وشطارة وفسادا من كل الأشكال وعلى كل المستويات، تماماً كما هو الحال في كل المؤسسات العالمية والدولية على الصعيد السياسي والاقتصادي، لكن ليس هذا هو الامر الذي يستحق التركيز، فما يستحق الحديث شأن اخر يخصنا نحن العرب على وجه التحديد.
وجه الشبه كبير فيما جرى مؤخراً في معركة المنافسة في انتخابات الفيفا التي حدثت بين الرئيس السابق (بلاتر)، والأمير علي بن الحسين من جهة؛ وبين ما يجري في المعارك العربية الأخرى على الصعيد العسكري والسياسي من جهة اخرى، حيث يتاكد تكرار الطريقة العربية نفسها في إدارة معاركهم كلها، حيث لم نجد تغيراً ملموساً نحو الأفضل، مع أن البشرية قطعت شوطاً في مضمار القرن الواحد والعشرين، فلم تستطع الدول العربية أن تشكل المجموعة العربية ً التي تتبنى موقفاً موحداً يتم انشاؤه بطريقة مؤسسية قائمة على أسس علمية ومعايير ديمقراطية، قبل الذهاب إلى الانتخابات العالمية، بحيث يجب إتمام أسباب النجاح على صعيد البيت العربي أولاً،وبناء الموقف الموحد قبل الذهاب الى المواجهة.
التعامل مع هذه القضية يكاد يكون طريقة مستنسخة عن تعاملنا مع قضايانا السياسية والمصيرية في المؤسسات الدولية والعالمية، وفي التعامل مع القضايا المصيرية على مستوى الوطن العربي ،ورغم مرور هذا الوقت الطويل على استقلال الدول العربية وتشكلها، وتأسيس الجامعة العربية؛ إلّا أن قدرتها على التأثير في المجتمع الدولي، وقدرتها على حشد العالم حول القضايا العربية العادلة، ما زالت ضعيفة وتتسم بالعجز والشلل، لأن المواقف السياسية يجب ان تبنى بطريقة سليمة متدرجة،و من خلال تأسيس شبكة من المصالح المتبادلة مع الاطراف العالمية،تبنى على ما يمتلكه العرب من قدرات وامكانات كبيرة وأوراق قوة عديدة يمكن استثمارها بنجاح.
الفشل العربي في عالم الرياضة رغم الكتلة العربية الكبيرة ورغم الامكانات التي يمتلكها العرب على الصعيد المادي والمعنوي امر حتمي، فهم يحصدون دائماً ثماراً مّرة نتيجة عدم التخطيط، وغياب الإعداد المدروس بشكل جماعي مثمر، هذا الفشل هو صورة مكررة عن الفشل في عالم السياسة وفي عالم الاقتصاد وبقية المجالات الحيوية الاخرى.
نحن بحاجة إلى بلورة المشروع العربي الموّحد الذي ينعكس أثره في مجال السياسة وفي مجال التربية والتعليم، وفي مجال الاقتصاد وفي مجال الرياضة كذلك، وتقديم صورة حضارية مشرفة، وحالة متقدمة ممكنة وفي متناول اليد فيما لو وجدت القيادة صاحبة الرؤية والأفق والإرادة على المستوى العربي، وربما كانت المرحلة النفطية مرحلة ذهبية في تاريخ العرب الحديث ؛من اجل بلورة البرنامج العربي الموّحد، الذي تتوزع فيه الأدوار على الدول العربية التي يزيد عددها عن (22) دولة، و التي تحتل رقعة واسعة من الأرض،و تمتلك عددا
من الممرات المائية الاستراتيجية والموقع المتوسط على مستوى الكرة الأرضية.
عدم قدرة الدول العربية على صناعة موقف رياضي موّحد يقوم على الأسباب نفسها التي تجعلها عاجزة عن إيجاد شبكة سكك حديدية بين عواصم العرب، وهي الأسباب نفسها التي تجعلها عاجزة عن إيجاد تكامل اقتصادي بين الأقطار العربية، مما جعل الأجيال نهباً للجهل والأمية والتطرف والعنف، والبطالة المتفشية والديون المتراكمة والعجز عن مواجهة المستقبل رغم الامكانات الكبيرة المتاحة.
طريقة التعامل مع النتيجة، هي الطريقة العقيمة نفسها في التعامل مع الأسباب، التي تعكس العجز عن تحليل الظواهر والوقوف على الاسباب، ومن ثم العجز عن الاعتراف بالحقيقة المرّة، والذهاب الدائم إلى منهج التبرير والتشكي، وإلقاء اللوم على الآخرين، والإصرارعلى العيش في دوامة الفشل المتراكم.
الدستور