ها أنا الآن أجدني جالسا إلى جانب أصدقائي ؛ نقلب تلك الفضائيات التي تتصف بارتفاع الأصوات وصدق المعلومات باحثين عن متنفس نستقي منه الأمل بإعداد العدة لرحلة تفاؤل تحمل بين أمتعتها أجمل معاني الابتسام ، وإذا بنا نشاهد محاضرة تحكي قصة عن تاريخ القدس ، فانتبهت إلى أصدقائي وإذا بهم قد ناموا من الإحباط واليأس ؛ وبقيت أنا وحدي أستمع لما يجري من أحداث ؛ وما يباع ويشترى بالفلس ، ولكنني مللت بعد ذلك وعزمت النوم بعد دقائق خمس.
وبعد أن استيقظت من نومي سمعت صرخات الأمهات وبكاء الماجدات وأنين الأطفال فطافت بي الأنظار على تلك الأرض التي غابت عنها شمس النهار وأعطت للظلام الدائم شرعية ؛ فارتوت بدماء بنيها الوردية ، الأرض التي اختلف من فيها على حزبٍ ؛ بعدما نسوا أن ما يجمعهم هو هدف مشترك بالإسلام وحب القومية ، لتصبح معالمها الآن ترسم بخطوط وهمية ، فمضى المقهور فيها إلى عدوه يطلب منه الجنسية.
ورغم أن تلك الشهادات لا تعيد المشهد طازجا ، إلا أن ما يجعلها قادرة على إعادة تشكيل الذاكرة مرة تلو المرة هو ما تحمله من مشاعر بالغة التعقيد وبالغة البساطة في آن واحد ، عندها أخذت الصورة تتابع في مخيلتي فمسكت قلمي لأخط لهم ما يجول في خاطري ؛ حيث أنني لم أر إلا الفراغ العميق التي تركته تلك الشخصيات الذاهبة إلى الموت في زمن الاختلاف الصعب ، الزمن الذي تعود على الاستنكار والشجب ؛ حتى بات من فيه محط القتل والسلب والنهب.
نحن معشر الفرسان من عالجنا أوتار القوافي بأقلامنا وغنينا مواويل الوفاء بعزفنا ، حتى جاءتنا عصابة صهيونية متأمركة فسبت منا الحروف والكلمات وأرهبت أفكارنا بفكر مهجن كإعصار هائج في ليل دامس ، لقد حيرت قوافينا تلك العصابة ، فتحدثنا لهم في أدبنا فقالوا كلام من حروف التخلف ؛ كتبنا لهم شعرا فقالوا هو هجاء وتطرف ؛ سلكنا طريقا لآخرتنا فقالوا بصفوف الإرهاب قد تحلف ؛ ركعنا لربنا فاستفزتهم ركعتنا ؛ قرأنا قرآننا فاتهمونا بالتصوف ؛ قرعنا بالأجراس فوصفونا بالشعوذة ؛ نظرنا في الإنجيل فقالوا هو كتاب محرف ، التزمنا الصمت ولم ننطق فقالوا إننا معقدون في مجتمعاتنا ومع الأجواء لا نتكيف ، حاصرونا ظلما وعدوانا بلا سبب غير أننا نهوى مركز الأرض المشرف ؛ فصرنا في قديم متحفهم عملة ورقية بريشة الزائفين ستزيف.
أريد أن أقول بعد أن صار الكلام وليس الصمت من ذهب ؛ وبعد أن أمسى بيت الأفاعي على حياتي هو الأمين وغدا شبك العنكبوت لبيتي السور الحصين ؛ وبعد أن أصبحت عيون اليقين في حياتي شكوكاً وأمست شكوك الزمان هي اليقين : "نحن من أهدينا أرضنا حباً ووجدانا أنقى من أمطار السحب ، ونحن من صنعنا فرساناً وانتصرنا بهم على الروم بالخوف والرعب ، فلماذا جعلناهم بعد ذلك قطعا وكسوراً عشرية ترمى في جدول الضرب ؛ حتى أصبحت كلاب الصهاينة تدلل مسرورة بجمعية الرفق بالكلب ، ونحن معشر الأحزاب كنا ولم نزل نفتش عن جمعية الرفق بالشعب".
wmaabreh@yahoo.com