بغداد تتعامى عن كلام الوزير
ماهر ابو طير
31-05-2015 02:52 AM
قيل في تحليل أسباب الإرهاب الكثير، ومنذ عقدين، والنقاش حول الإرهاب، وتنظيماته نقاش لاينقطع، من واشنطن الى عدن، وما بينهما من عواصم ومدن، وتارة يضع العالم المسؤولية على كتب الفقة، وتارة على العقول المتطرفة، وتارة نتحدث عن مؤامرة.
غير ان اللافت للانتباه، ان لا احد يتوقف عند فكرة المظلومية، اذ تصير سببا للارهاب في بعض التجارب، فالاضطهاد يدفع باتجاه الارهاب، والرابط بينهما واضح، وفي تجربة العراقيين الذين عاشوا طوال عمرهم.. «كأهل لا يفرق بينهم مذهب» انموذج خطير، حين تتحول الحكومة المركزية في بغداد الى حكومة مذهبية وحاضنة فعلية للارهاب، تقوم بتوليده، وجعله طوق نجاة لغرب العراق، من باب ضخ الشبهات والاتهامات نحو أهالي هذه المناطق، وتشويه سمعتهم في العالم باعتبارهم حاضنة داعش وغيره من تنظيمات، فيما هم فعليا، ضحايا داعش وضحايا لحكومة بغداد المركزية، معاً.
في مئات تسجيلات اليوتيوب، تسمع هتافات الحشد الشعبي، وهتافات العراقيين الموالين لبغداد، وهم يتوجهون الى مناطق غرب العراق، تسمع الشتائم المذهبية، للصحابة ولزوج نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكل هذا يتغطى بالحرب على داعش، وفي الطريق الى داعش يتم الدوس على سنة بغداد وسنة غرب العراق، وتصويرهم بأنهم حلفاء طبيعيين لداعش، فتأتي ردود فعل السنة غاضبة، تشتد قهرا امام هذا الافك السياسي، اي المزاوجة القهرية بين داعش والسنة، مع الاضطهاد والقتل والدموية وايذائهم في ابنائهم وبيوتهم، وكأنه يراد حقا توليد الف داعش، وتوفير البيئة المناسبة لتوليد التطرف، في ظل غياب العدالة والمساواة وحقوق الناس كعراقيين قبل مذاهبهم، فيصير دور بغداد المركزية، تخليق الدواعش، لا محاربتهم، تخليقهم تحت رماح الاضطهاد، التي تبدأ بالقتل على الهوية، وتصل حد منع العراقي السني من دخول بغداد، إلا عبر كفيل يكفل اخلاقه وسلوكه!.
هي ذات الفكرة التي هب نواب عراقيون للرد عليها، وقدحها بكل هذه العنترية والسطحية، وصاحب الفكرة في الاساس وزير خارجية الامارات اذ يقول قبل ايام، ان حكومة بغداد اذا واصلت اضطهادها لسنة العراق ستؤدي الى خلق داعشين اثنين، بدلا من داعش واحد، وكلامه صحيح، فالحرب على داعش، لاتسمح لك ابدا باختطاف سنة العراق في الطريق، والدوس على حقوقهم، ولا التعامي عن مظلوميتهم، التي باتت بيئة يتم توليدها وتجهيزها وسقاية شجرة التطرف فيها عبر هكذا سياسات متعمدة.
من المثير هنا ان يتصدى لكلام وزير خارجية الامارات، نائبان عراقيان، لا قيمة لهما ولا وزن لهما عربيا وعراقيا ولم نسمع منهما الا ردا على الطريقة العربية، كثيرا من الكذب وقليلا من الحقائق، في وجه الشيخ عبدالله بن زايد، بل ذهبا بعيدا بالقول، ان بلاده ترعى داعش، وهي فكرة تافهة لا تستحق التوقف عندها اساسا، خصوصا، ان الطرف الذي يتم اتهامه يقدم وبلاده انموذجا مميزا في اللامذهبية، وفي العدالة والمساواة والرفاه والامن والاستقرار، لكنه التوقيت الاغبر الذي سمح للصغار ان يصدروا البيانات، وان لايقفوا قليلا عند مضمون الكلام، فالمذهبية أعمت بصائرهم، وحالهم حال الذين ينامون في جهنم ويجدون وقتا للجدل فيما بينهم.
والكلام مثير للغثيان، لان دولة مثل: الامارات وكل دول الاعتدال العربي لا ترعى الارهاب، لا في العراق ولا في سورية، وما من طرف يرعى الارهاب فعلا، في سياق المكاسرة الاقليمية، وحرق سمعة العرب السنة، باعتبارهم ارهابيين، مثل: نظامي بغداد ودمشق، اللذين يتكسبان من تصوير السنة وداعش باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، حتى لو ادى ذلك الى قيام العاصمتين بارسال انتحاريين من ذات مذهبهما لقتل مصلين من ذات مذهبهما، في اي بلد عربي، للقول، ان القتل والتفجير صناعة سنية.
يتبارى النائبان بلسان اعجمي للرد، فيما الواقع يقول شيئا آخر، وحتى يختفي داعش، عليك اولا الا تكون حاضنة له، عبر تصنيع المظلوميات ودفع الناس نحو الارهاب قهرا، دفاعا عن وجودهم، وتأمين الحياة الكريمة لهم، ومنحهم حقوقهم، بدلا من هدر البترول على «الحروب المقدسة» للمذهب هنا وهناك.
المواطنة تعني استحالة القسمة على اثنين، فما من مواطنة تقبل القسمة على اثنين، وكنا نقول سابقا، ان العراق مثل رقم (1) فإما أن يبقى واحدا أو تسعى بغداد المركزية لقسمته كرمى للام في طهران، فيتحول الى كسور واعشار، فيتم تفتيت العراق...هذه هي القصة التي نراها اليوم بكل بساطة، اذ تتحول الحكومات العراقية الى عمياء، لاتريد ان ترى الواقع كما هو، ولاتريد ان تقف عند حقوق شعبها؛ الذي كان تاريخيا،
شعبا موحدا، قبل ان يحل بنا بلاء الاعجمية السياسية.
ثم ان كلام عبدالله بن زايد يتطابق مع رأي العرب والمسلمين، الذين يعرفون اليوم، ان ايذاء بغداد المركزية لسنة العراق، هو السبب الاساس في تهيئة الظروف للارهاب، توليدا وصناعة وانتسابا، فيما على بغداد المركزية ان تسكت صغارها، الذين يتقافزون في العتمة هنا وهناك، في وجه سياسيين عرب لهم قيمتهم الوازنة، ويعرفون ما يقولون، دون تقية سياسية او ازدواجية او تلاعب بالكلمات، أو بدماء الناس ايضا.
الدستور