تدمر الآثار والحضارة .. وتدمر السجن!
أروى الجعبري
30-05-2015 06:18 PM
تناشد الحكومة السورية العالم للدفاع عن حضارة عريقة منذ آلاف السنين تُمثلها مدينة تدمر والتي وقعت الآن في يد تنظيم داعش المعادي لكل ما هو غير داعشي بما في ذلك الحضارات التي شيدت المنطقة وأسست ما وصلنا من علم و فن و حضارة لم ننجح نحن في عصر الذرة و الطاقة النووية في تحقيقه!
وهنا أتساءل: هل خوف النظام السوري حقيقي على آثار تدمر العريقة أم هو خوف من العثور على جماجم وعظام المجازر الجماعية التي ارتكبت في سجن تدمر الشهير في مطلع الثمانينات على يد سرايا الدفاع وبأوامر مباشرة من الرئيس حافظ الأسد كَرَد فعل على محاولة الإخوان المسلمين الفاشلة لاغتيال فخامته ؟؟ والتي لا زالت ملفاتها مغلقة على أسماء المئات من السجناء السياسيين الذين اختفوا عن وجه البسيطة منذ ذلك التاريخ إلى جانب مئات القتلى الذين شملتهم المجزرة الشهيرة سنة 1980 م و منهم سياسيين مسيحيين و شيوعيين و غيرهم من مختلف الأطياف السياسية في الوقت الذي ادعت فيه الدولة أن الهدف كان تنظيم الإخوان المسلمين فقط و المسؤول لوحده عن محاولة الاغتيال؟ بعد ظهور بعض الناجيين من المجازر و أقبية التعذيب بالإضافة إلى اعترافات بعض العناصر العسكرية المشاركة في القتل، لا زالت الأعداد الحقيقية مفقودة تماما ولا زال النظام في حالة إنكار تام للمقابر الجماعية التي ألقيت فيها جثث الضحايا الأبرياء، ولا زال اسم ( تدمر) هذا الاسم العريق المرتبط بالملك القوي أذينة و بشجاعة زوجته زنوبيا و صمودها أمام صلافة و غرور روما، لا زال هذا الإسم للأسف مرتبطا في الذاكرة السورية بمجزرة كانت ولا زالت جريمة في حق الإنسانية و سجلاً للقتلى و المفقودين و المعذبين !!!!
أبدع النظام السوري ... الذي يبكي ويتألم و يناشد الآن لحماية آثار من صخور و حجارة ... أبدع في قتل الإنسان روحا و جسدا و فكرا طوال سنوات حكمه العصيبة، و ما أره عصيا على الفهم : كيف استطاع قاتل الأرواح البريئة أن يملك الجرأة للمطالبة بحماية الحجارة و الجماد و الصخور القديمة ؟؟ بأي منطق و خبث إختار لسجن سياسي مليء بأقبية التعذيب و القتل و التدمير النفسي و الجسدي، إسم حضارة إنسانية تمثل الإنسان و فكره وشموخه مثل ( تدمر ) ؟؟؟؟ بالتأكيد موقف النظام السوري الملتوي و المتناقض لا يُلغي الخطر الذي تتعرض له هذه المدينة العريقة بكل ما تضمه من متاحف و تماثيل و قطع أثرية على يد تنظيم أعمى متعصب مثل داعش، و لا ينفي أيضا أن النظام السوري الدموي بعد عقود من حكم دولة حضارية بحجم سوريا بسياسة الحديد و النار و التي تمثل قناعة( البعث ) السوري و العراقي على حد سواء، فشل في إقامة تدمر جديدة، كما فشل ( بعث ) العراق في بناء بابل جديدة ....بل فشل حتى في المحافظة على القديمة تماما كما أضاع ( بعث ) العراق كنوز آشور و نبوخذ نصر!!
نحن الآن وصلنا إلى الحضيض .. فعجز الإنسان عن بناء حضارة حديثة في عصر الذرة و الطاقة النووية و الفضاء ... بل و عجزه عن حماية حضارة أسلافه التي قامت و صمدت آلاف السنين.. هذا الحال هو الحضيض بعينه .....