بين أهلها وناسها ..بسمة النسور
30-05-2015 03:23 PM
عبر الهاتف، تلحّ صديقتي المقيمة في بريطانيا، والتي تتصف بنزعة رومانسية، وتجنح إلى المبالغة في ردود أفعالها: اكتبي لي بالتفصيل غير الممل عن كل ما يحدث في غيابي. وكلما تواصلنا، تبادرني قائلة: شو الأخبار عندك؟ تنتابني الحيرة، ذلك أنني أعرف أنها لا تقصد الرغبة في معرفة أخبار الوطن الرسمية في وسائل الإعلام، فهي، شأن معظم المغتربين، تتابع الصحافة المحلية والمواقع الإلكترونية عبر الإنترنت بدأب، وتقف على آخر المستجدات، أولاً بأول. تفعل ذلك طقساً يومياً، تحتال به على الغربة وأوجاعها، على الرغم من استقرار الحال بها هناك، من حيث ظروف العمل والسكن والعلاقات الاجتماعية المعقولة نسبياً، وعلى الرغم من حصولها على الامتيازات الممنوحة لأي مواطن يحمل الجنسية البريطانية، وكذلك انخراطها الكثيف في نشاطات تطوعية، نصرة لفلسطين عبر مؤسسات مدنية، غير أنها تؤكد دائماً أن لا شيء بمقدوره أن يحدّ من حنينها غير القابل للتداوي إلى صباحات مدينتها الأم، عمان، حتى تلك البحيرات المجاورة الساحرة بأزرقها الفيروزي الأخّاذ، المأهولة بأسراب البجع، تباشر فجرها الندي، كعرائس مختالة بناصع البياض، يزيد أجسادها الممشوقة فتنةً وسموّاً. لا تحول دون أشواق صديقتي المشتعلة تلك الغابات المعمّرة داكنة الخضرة المكتظة بشتى فصائل الطيور التي لا تكف عن الزقزقة بشغف، احتفالاً بالرزق الوفير، ولا تواسيها الشوارع النظيفة المنظمة، بأرصفتها الفسيحة التي تحترم حق الإنسان البسيط والبديهي في التجوال حراً طليقاً، إلى جانب مشاةٍ يمارسون رياضتهم الصباحية، مطمئنين إلى مصيرهم في عودة آمنة إلى بيوتهم، من دون أن تكون أضلاعهم عرضة للكسر تحت عجلات سيارة سائق طائش، ولا تهدهد روحها القلقة المسكونة بالشوق حبات المطر السخي، المباغت في انهماره، يعرقل المواعيد أحياناً، غير أنه يغسل أوجاع الروح المتعبة، ولا ترشوها حالة السكينة والهدوء الذي يكتنف محيط البناية التي تقطن فيها، حيث جيران منهمكون بشؤونهم حد عدم الاكتراث، أو حتى الفضول. |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة