في كل يوم من الخامس والعشرين من ايار يحتفل الأردن شعبا وقيادة في ذكرى الاستقلال, هذا الاستقلال الذي يحمل في طياته من العبر والدروس التي لاتنضب, فالناظر في عهد الاستقلال يلحظ فيه حكما باهرة ودروسا عظيمة نستذكر فيها عبق الماضي وتطورات الحاضر ونستخلص منها ما يرفد امالنا وتطلعاتنا الاصلاحية, فلن ننسى تلك المنارة في تاريخ المملكة والخطوة الأولى في اعلان استقلال المملكة من خلال شرفة بلدية عمان والتي اراد الملك المؤسس عبد الله الأول بن الحسين اعلان استقلال المملكة من عليها لكونها المجلس المنتخب شعبيا انذاك, والممثل لكافة اطياف الشعب الأردني, ولن ننسى الدور الذي لعبته المجالس البلدية المنتخبة انذاك في التعبير عن رغبة عموم البلاد بشأن اعلان الاستقلال على اساس النظام الملكي النيابي, وعن الاستجابة السريعة والفذة للمجلس التشريعي انذاك في تقنين الاستقلال عبر اصداره التشريعات الناظمة له, ندرك امام ذلك المشهد كم نحن بامس الحاجة لعودة تلك الشخصيات الوطنية والسياسية التي شهدتها القنوات التمثيلية في الأردن, والتي كانت مرأة تعكس بتمثيلها جموع المواطنين باراءهم وتطلعاتهم.
فمنذ التأسيس كان جليا للعيان اهمية الركن الدستوري الثاني للمملكة المتمثل بمجلس ممثلي الشعب (مجلس النواب), وعلى مر العهود كانت بوصلة الاصلاح السياسي بيد المجالس النيابية ذلك كونها القناة الدستورية التي لها من الأدوات والوسائل ما يمكنها من جمع وادارة الحوار المعبر عن كافة اطياف الشعب, والقادر بمخرجاته على تحقيق التوافق المنشود بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية, ذلك الدور الذي لعبته المجالس النيابية السابقة كان يعززه العلاقة الوطنية بين كل من النائب وجمهور المواطنين, اضافة للعلاقة الوثيقة انذاك بين هذه المجالس وهيئات المجتمع المدني والاحزاب والشخصيات السياسية والوطنية, ما يتوجب علينا تبيان مايشوب هذه العلاقات حاليا والعودة لسابق العهد بالتواصل بين النائب والمواطنين على اسس وطنية وخدمية عامة لا على اسس مصالحية انتخابية وخدمية خاصة, والعمل على سد الهوة بين مجلس النواب ومكونات المجتمع المدني.
وعلى الدوام ركز جلالة الملك عبد الثاني بن الحسين على الدور الرئيسي لمجلس النواب في مسار الاصلاح السياسي والمرتجى منه ايصالنا الى هدف تحقيق نهج الحكومات البرلمانية, وتكمن اهمية مجلس النواب كونه العمادة الأولى والاساس في تحقيق هذا الهدف فالركن النيابي الدستوري هو ثاني اركان الدولة ومن خلاله تتحقق سيادة الأمة ومن رحمه تنبثق الحكومة, انها الملكية الدستورية بكل تجلياتها حاضرة في صلب نظامنا الدستوري, وما نحن بصدده تطوير نموذجنا ليضاهي النماذج المتقدمة, هذا النموذج تكتمل اركانه بتطور الكتل النيابية يرافقه مزيد من الصلاحيات الممنوحة لمجلس النواب في تشكيل الحكومة, الا ان خلق الاكثرية النيابية المطلوبة لتحقيق الحكومة البرلمانية مازال بعيد المنال بناء على ما نشهده من واقع الكتل النيابية اليوم, ما يفرض مزيدا من العمل المناط بالنواب انجازه نحو مأسسة الكتل النيابية, والمقاربة بين واقع الكتل النيابية وعمل ومهام الاحزاب السياسية, من خلال تمكين الأطر السياسية التي تنظم مجموعات النواب كوحدة واحدة متماسكه, والعمل على خلق الأعراف والممارسات من اجل الوصول لكتل فعالة تحقق اهدافها المنوطة بها في خارطة الطريق التي تفضي الى تشكيل الحكومات البرلمانية.
ان من شأن الانتقال نحو العمل الجماعي الصرف والتواصل الدوري بين النائب وجمهوره والانفتاح على مكونات المجتمع المدني والأحزاب ان يعزز المجالس النيابية في اداء ادوارها التمثيلية والتشريعية والرقابية وتفعيل المسؤولية السياسية, والتي ما ان تتم فانها ستؤسس ركائز التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية القائم على مبدأ الفصل المرن بين السلطات وهو المقومة الأساس للحكومات البرلمانية.
وفي عيد استقلالنا ال69 فان المسيرة الديمقراطية خيارنا الوطني والدستوري الذي يلقى دعم وتأييد قيادتنا، وما دامت الحياة البرلمانية قد ترسخت في تقاليدنا السياسية وقواعدنا الدستورية، فعلى البرلمان مسؤولية خاصة في توجيه بوصلة الاصلاح السياسي، والاستجابة للمتغيرات والمطالب المجتمعية و تحمل مسؤولياته الوطنية المناطة به وان يكون رافعة الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي المنشود في اردننا العزيز ,وله في المجالس النيابية السابقة عبرا ودروسا.