ظاهرة السلفية في المدينة السلطية
محمود الزيودي
17-03-2007 02:00 AM
لم اندهش لوجود الافكار السلفية لدى بعض السلطية بقدر دهشتي من الردود الانفعاليه على مقالة الاستاذ عبد الرزاق ابو هزيم عن السلفية الجهادية في السلط . فقد تحولت التعليقات الى مناكفة ثنائية واحيانا ثلاثية لا علاقة لها بموضوع المقال . ومن السهل التستر خلف اسم رمزي وسهولة اللغو واطلاق الاوصاف والاتهامات يمينا ويسارا . وبعض المتشابكين كتاب ومفكرين . ونحن احوج ما نكون الى اسلوب البحث العلمي في دراسة قضايانا واستنباط الحلول لها بدلا من القفز من العام الى الخاص ( انظر التعليقات على خبر د . قاسم ابو عين ومدينة الثقافة اربد )
* * *ابتداء يسجل لمدينة السلط انها حاضرة البلقاء بلا منازع . تحدثنا وثائق المحاكم الشرعية العثمانية ان قاضي شرع السلط حكم لسيدة سلطية بعدم مرافقة زوجها الى قرية عمان لان السيدة متمدنة ولم تعتد على حياة القرى النائية . ويسجل لمدينة السلط ايضا انها نموذج متميز للتعايش الاسلامي المسيحي . ولم تتأثر باحتلالين متناوبين من الاتراك والانجليز في الحرب العالمية الاولى .
الجميع تعرضوا لنفس المعاناة التي تنتج عن الحروب في الاحتلال من العدو والصديق مرتين .واحتمل السلطيون غربة الاسر في منطقة السويس شهورا .. عاد البعض منهم بعد انتهاء الحرب .. لا اكرر الحديث فقط عن مدرسة السلط الثانوية ودورها في تعليم ابناء الاردن وتخريج عشرات الوزراء ورؤساء الوزارات والموظفين والمفكرين ورجال الاعمال .. ولا عن مكانتها بوابة لفلسطين ، حيث يرسل صدقي القاسم ( قائد شرطة السلط ) نذيرا الى مبارك ابو يامين ( من شيوخ عباد ) لتخبئة وديعة الفلسطينين من الاسلحة ( جاءت من بغداد ) في زمن الثورات الفلسطينية الاولى لان الباشا ابو حنيك قادم بحركة مفاجئة لضبط هذه الاسلحة . ولا عن وثيقة السلط الشعبية التي دعت الاردنيين للكف عن التبذير في المناسبات .
بعد ان تفاقمت ظاهرة الكرم في غير محله .. واسجل للسلطية تسامحهم مع النكت والطرائف التي نسبت لهم بل ان بعضهم يؤلفها ويرويها ويضحك مع الاخرين عليها . لم استغرب هذه الظاهرة عندما استمعت من الدكتور فاروق التلاوي محافظ الوادي الجديد في مصر الى نكته عن الصعايدة وهو صعيدي قح فرويت له نكته سلطيه تظاهر بالاعجاب بها واخبرني انها صعيدية المنشأ ...
بعض البيوت السلطية فقدت من ابنائها في افغانستان اكثر من اية مدينة اردنية اخرى . لا حاجة للتعليق على خدعة الجهاد ضد الملحدين السوفييت الذين جرتهم امريكا الى مستنقع افغانستان . ولا بد من التذكير ان بعض الجنود السوفييت مسلمين من مدن ومقاطعات كانت منارات في افق الدولة الاسلامية الاولى.
السلطية الذين كتبت لهم النجاة وعادوا من افغانستان مثلهم مثل زملائهم من كل الاعراق حملوا افكارا جديدة عن الاسلام بفعل الدروس والمحاضرات التي تلقوها على يد شيوخهم في كابل وقندهار وتورا بورا وغيرها . وقد دعوا لهذه الافكار او المذاهب في مدينتهم لان لكل جديد وهلة .
حضرت عزاء في مضافة العربيات او ديوانهم في السلط كان التجمع من كل الاطياف كالعادة . انبرى احد الشباب الملتحين بحديث طويل عن السلفية وضرورة العودة الى الاسلام الاصولي . استمعنا فيما ذوي الفقيد يستقبلون ويودعون المعزين مع العين مروان الحمود . لم يعترض احد على حديث الشاب . ولم يقاطعه احد حتى انهى حديثه . وفهمت ان هذه الظاهرة تتكرر في المناسبات السلطية خاصة بيوت العزاء . وتلك دلالة على اتساع صدر المجتمع السلطي للافكار والتيارات الطالعة من ارضه . ففي السلط ايضا حزبيون من اغلب الاحزاب في الوطن العربي .
اعتقد ان ظاهرة السلفية الجهادية في السلط هي حالة طبيعية للمسلمين على مر العصور ولا اظنها تصمد في تيار الحياة المتدفق . نذكر دعوة ابن تيميه وانحسار دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب في اطارها الجغرافي بجانب اتباع المذهب الشيعي في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية . بعد زمن طويل من وصول جند هذه الدعوة الى مشارف حوران ومشارف عاصمتنا عمّان ايضا . وقبلها نثروا المقامات والمزارات في النجف وكربلاء وغيرها . وهم يدعون لعبادة الله وحده من دون القبور والاضرحة . والاشجار والتلال المقدسة في نفوس البشر.. كذلك ظاهرة الطرق الصوفية والتكايا التي كانت تجمع الاف المريدين والانصار. وهي في زمنها حافظت على هوية المجتمع المغاربي وساهمت في مقاومة المستعمرين لتلك البلاد العربية المسلمة ..
واقرب مثال نسوقه على هذه الحالة . ما حدث لنفس الجماعة في مصر . فالبعض منهم لم يقاطع مساجد الضرار ( كما يسمونها ) فقط . بل اعتزل في اطراف الصحراء يتعبد وياكل مما يزرع نفورا من حياة المدينة الفوارة بكل شكل ولون . ولم يمض طويل وقت حتى عاد المعتزلون الى مجتمعهم . واغلب المتشددين المتطرفين عولجوا بالحوار والجدال اكثر مما عولجوا بغير ذلك وانحسرت حالة التطرف محليا .
وكان لدراسة الظاهرة ومحاورة فرسانها دور كبير في توسيع ادراكهم وافق معرفتهم . حتى ان اللواء فؤاد علام ( مباحث امن الدولة ) يسافر الى المانيا لمحاورة بعض قيادات الاخوان المسلمين هناك . وهم يستقبلونه كضيف . وليس كرجل امن وضع الكثير من رفاقهم في السجن .
لفت نظري حداء السلفيين السلطيين احتفالا بعودة صاحبهم من السجن .. لم يبتدعوا شعارات من قبيل الله مولانا ولا مولى لكم .. وكأن اصحاب هذا الشعار احتكروا رحمة الله ونصرته من دون الناس .. بل هم تجذّروا في اصل مدينتهم وتراثها وحدا حاديهم ( يا جراح حنا عزوتك ) وهذا القالب من الحداء الاردني شائع جدا وهو موجه الى الكبار منذ تأسيس الامارة وحتى الان ..
اما بعد فسيبقى السلطي سلطيا ولو كان في قندهار..