نعود إلى الكتابة اليومية. فبعد نصف قرن من العمل اليومي كاتباً، ومديراً، ورئيساً للتحرير، في الدستور والشعب، والعرب اليوم.. وطبعاً في الرأي فقد وصلت إلى القناعة بأن: وطن الصحفي.. صحيفته!!. وحين يصل العامل في الصحافة الى اعتبارها: مصدر رزقه، أو رزق حزبه، فإن الموت بدأ ينخر فيها، وكما يقول الشاعر: دبَّ فيك الفناء سُفلاً فعُلّوا.تهتم النقابة ومجلس النواب ومشفقون كثيرون بأوضاع الصحف الورقية المالية. فهناك صحف أغلقت، وصحف لا تدفع للذين يعملون فيها منذ أشهر ولعل البحث عن السبب يدعو للضحك. فلماذا تفلس صحيفة فيها يومياً أكثر من ثلاثين ألف دينار إعلان وفيات.لقد خطر في ذهني هذا الأسبوع، ولا أعرف إذا كان صديقي العزيز د. فهد الفانك قد مرَّ الخاطر في ذهنه، بأن أتوقف كلياً عن الكتابة الصحفية، مستغلاً حادثاً يصدم العقل والخلق وقفت أمامه مذهولاً. فقد كتبت بما فيه الكفاية.. والأحداث التي تمرُّ على الوطن تكتسح كالمحدلة أقلام الناس وأفكارها، وأحاسيسها الرفيعة، بحيث يتكرر الكلام، وتتكرر صور الموت والدمار وعذابات الأطفال.فما فائدة الوعي الفكري في هذه المذبحة التي لا يعرف فيها القاتل لماذا يقتل، ولا يعرف فيها المقتول لماذا يُقتل. لكن بصيص الأمل وجذوة التفاؤل تبقى هنا في الوطن الأردني.. فالقتال من أجله.. من أجل استقراره وثباته هو القيمة الأسمى التي بقيت للصحفي، وللمفكر، ولصاحب العقل والخلق.الأردن - الوطن هو الذي بقي لنا من الوطن الكبير الذي استحال إلى مسلخ كبير، وهو الذي بقي من أحلام الوحدة والحرية، وعلى أرضه يجترح الأردنيون معجزة البقاء.ونقول للذين يعملون ليل نهار على دفع الأردن إلى «المسلخ العربي».. نقول: لقد هزمناكم ألف مرّة.. فمن أين تواتيكم كل هذه القوة والعناد؟؟.

الرأي