المنسف .. مبعث كرامة وليس ملء معدة
اسعد العزوني
27-05-2015 12:58 PM
كثيرون هم الذين يظنون أن المنسف، المكون من الرز واللحم المطبوخ باللبن، وعليه بعض الصنوبر أو اللوز، هو عبارة عن وجبة دسمة لها عدة وظائف أولها، إظهار كرم من يولم، والثانية هي سد جوع من يقبل الدعوة، في حال كان المنسف جماعيا كما نشاهد، حيث يأتي البعض وقد إمتنع عن الطعام ربما ليومين، بحجة أنه سيتناول منسفا غنيا باللحم، والبعض يحبذ اللحم البلدي.
هذا هو مفهوم الغالبية المغلوط عن المنسف، الذين رأوا فيه وجاهة وسد رمق، مع أن المنسف - وإن اشتمل على ذلك كتحصيل حاصل - بعيد عن ذلك تماما، فهو في وظيفته الرئيسية والأولى التي اخترع من أجلها، كان مبعث كرامة وعزة وشموخ وسؤدد، وليس تخمة و"خنفرة " عند تناوله، كدليل على شهوته.
وبطبيعة الحال فإن لنا ملاحظات على ولائم المنسف الجماعية، وهي كمية الدسم المهولة فيه، لطبخه بالسمن البلدي، وعدم إزالة الشحوم والدهون عن اللحم قبل طبخه، وكذلك مصير المتبقي منه، وخاصة عند الولائم الجمعية كالأفراح والأتراح والعزائم المعتادة، لكن وعي الناس هذه الأيام بمخاطر السمنة، وظهور ما يطلق عليها بنوك الطعام التي تتولى أمر المتبقي من المناسف، قد حلا هاتين المشكلتين.
لكن ما هو أهم من كل هذه القضايا مجتمعة، رغم أهميتها، هو من أين جاءت كلمة منسف ومن الذي إخترعها ولماذا؟
وجزاه الله عنا كل خير، فإن البروفيسور العلامة في التاريخ والأدب أ.د.يحيى العبابنة، كشف لنا السر في روايته "قربان مؤاب "، وهو أن المنسف مبعث كرامة وعزة وسؤدد وفخر، وليس ملء معدة.
تقول الرواية إن هذه الأكلة الشعبية العربية المؤابية بمخرجاتها، مزجت بين القرار السياسي الصائب الحكيم، وبين الاستجابة الشعبية، حيث ورد في الإصحاح 17 تحريما قاطعا لطهي اللحم باللبن عند يهود، كما قال الملك العربي المؤابي ميشع، بطل أول معركة عربية ضد العبرانيين اليهود في التاريخ، والذي كان صاحب مملكة مؤاب من نهر الزرقاء حتى الحجاز وغربي النهر وشرقيه، وكان يديرها من مكان قلعة الكرك حاليا.
الأمر برمته هو أن يهود العبرانيين، كما هو حال يهود بحر الخزر الحاليين، تمادوا في الإعتداءات على مملكة مؤاب ونهب ممتلكات مواطنيها، ولكن كرامة الملك ميشع ملك مؤاب، لم تسمح له غض الطرف أو السكوت عن إهانة ملكه وإلحاق الأذى بشعبه، ولكنه وقبل إتخاذ قراره السليم، عمل على تأمين وتحصين جبهته الداخلية، لضمان تحقيق النصر على أعدائه في الجبهة الخارجية وهكذا كان.
طلب الملك ميشع من شعبه المؤابي طهي اللحم باللبن في يوم معين، ليتأكد من عداء شعبه للعبرانيين وولائهم له، وعندما قدمت له أجهزة استخباراته المنتشرة في أطراف مملكته، تقارير تفيد بإلتزام شعبه المؤابي بالتعليمات، وقيامهم بمخالفة عقيدة العبرانيين وطبخهم اللحم باللبن، أيقن أن الوقت قد حان لنسف كل عهوده مع العبرانيين الذين لم يحترموها هم انفسهم، شأنهم شأن يهود "مستعمرة " إسرائيل الخزرية في فلسطين المحتلة، التي لم تحترم ما وقعت عليه مع م.ت.ف والأردن الرسمي، وأطلق على هذه الأكلة إسم المنسف.
أما الخطوة الحاسمة الثانية التي أقدم عليها الملك ميشع، فهي إعلان الحرب على العبرانيين وإلحاق الهزيمة بهم، وتحقيق النصر المؤزر عليهم، وقد قضى الكثير من الشباب المؤابي في تلك المعركة، كان في مقدمتهم نجل الملك ميشع، الذي قضى على أسوار الكرك "مؤاب آنذاك"، بعد معركة طاحنة مع العبرانيين، إنتصروا فيها وفرحوا وأكلوا لحم خرافهم مطهوة باللبن الجميد، وكانت هذه المعركة هي أول معركة ينتصر فيها العرب على العبرانيين، فهل نطمح لمعركة ثانية؟