استعرضنا في المقال السابق بعض تداعيات سيطرة حماس على مفاصل قرار جماعة الاخوان المسلمين في الاردن, من خلال مجموعة التنظيم السري التي استقوت بالمال السياسي للسيطرة على قرار الجماعة, عبر شراء الولاءات, ومن ثم حرف الجماعة عن مسارها التاريخي, غير أن أخطر تاثيرات هذه السيطرة الحمساوية على الاخوان المسلمين في الاردن, انها غذت أوهام القوة والتفوق عند مجموعة التنظيم السري, فصارت تتصرف على انها ندٌّ للدولة الاردنية, فكثرت التصريحات التي تحمل نبرة التهديد المبطن تارة, والمعلن تارة اخرى, وآخرها ما روج عن همسة د.همام سعيد في اذن رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور من «ان استهداف الجماعة وتفكيك مؤسساتها قد يعني رؤية مئات او الاف من الشباب المسلم في القدس المحتلة». وهي عبارة بمقدار ما تحمل من تهديد مبطن للدولة الاردنية, فانها تشكل ادانة لقائلها.. لانها تعني انه يحول دون الشباب المسلم والجهاد في القدس.
غير أوهام القوة والندّية التي غذتها السيطرة الحمساوية على الجماعة, فان هذه السيطرة غذت روح الانقسام داخل صفوف الجماعة في الاردن, فبعد ان كانت صورتها المرسومة في الاعلام وفي اذهان الناس هي صورة الجماعة المتماسكة الموحدة, صارت خلافات الجماعة وانقساماتها الى درجة الشرذمة والاتهامات المتبادلة بين اجنحتها حديث الاعلام والمنتديات والملتقيات, مما يذكرنا بحالة الانقسام الوطني الفلسطيني الذي تشكل حماس إحدى كفتيه, ومع حالة الانقسام هذه داخل الجماعة كثرت الاجنحة والمسميات المعبرة عن انقسام الجماعة, وحالة الاستقطاب داخلها, فصارت الجماعة معسكرات متصارعة, فهناك معسكرٌ للصقور وآخر للحمائم وثالث للحكماء ورابع للشباب ومعسكر للترخيص ودعاته من المؤمنين بالاردن وطناً ودولةً, ومعسكر للرافضين للترخيص لعدم اعترافهم بالدولة والوطن, ولرفضهم المحاسبة والشفافية...الخ الخ.
لم تتوقف آثار السيطرة الحمساوية على الجماعة عند حدود الشروخ والانقسامات التي حدثت في وحدة صفها, بل تجاوزتها الى العلاقة بين الجماعة والدولة الاردنية, وهي العلاقة التي اتصفت تاريخيا بالتعاون والرعاية التي استعرضنا الكثير من صورها في مقالات سابقة,قبل ان تقلبها مجموعة التنظيم السري التي حولت الجماعة الى ساتر للكثير من الانشطة الحمساوية السرية فوق الاراضي الاردنية, وبعيداً عن عيون الدولة الاردنية, وقبل ذلك بعيداً عن عيون القيادة الشرعية المعلنة للجماعة, حيث اتخذت بعض هذه الانشطة شكل الخلايا السرية المسلحة التي تم القبض عليها وتفكيكها, وهو الأمر الذي يثير الاستغراب ايضاً من هذا الانقلاب الحمساوي على الدولة الاردنية, وتشجيع مجموعة التنظيم السري على الانقلاب على الدولة ايضا,علماً بأن الدولة الاردنية ممثلة بجلالة الملك,سبق وأن قدمت كل الرعاية والدعم لحماس وقيادتها,وإن استطاعت حماس ان تنكر دور الاردن في رعايتها وحمايتها فانها لن تستطيع انكار انقاذ الاردن لحياة مشعل, ولتحرير الاردن لشهيد الفجر الشيخ احمد ياسين من سجون الاحتلال, وكذلك تحريرالاردن لموسى ابو مرزوق من السجون الاميركية, مما سبق وان شرحناه في مقال سابق, الامر الذي يجعل المرء يستغرب من هذا الانقلاب الحمساوي على الاردن: الدولة والوطن.
لم تتوقف تاثيرات حماس على الاخوان المسلمين في الاردن على العلاقات الداخلية بين ابناء الجماعة, والتي صار الانقسام طابعها, ولا على علاقة الجماعة بالدولة التي صار التوتر سمتها,بل امتدت للتاثير على علاقة الجماعة بحلفائها من سائر القوى السياسية في الاردن, وخير مثال على ذلك ما حل في لجنة التنسيق بين احزاب المعارضة الاردنية وكيف عصفت الخلافات باللجنة خاصة حول الموقف مما يجري في سوريا فاصبحت اللجنة اثراً بعد عين.
ومثلما تاثرت علاقة الاخوان المسلمين في الاردن مع سائر القوى السياسية الاردنية بفعل سيطرة توجيهات حماس على اخوان الاردن تأثرت علاقاتهم ومواقفهم من مجمل احداث المنطقة خاصة في فترة ما يسمى بالربيع العربي, وقد ظهرهذا التاثير اكثر ما يكون وضوحاً في العلاقة مع دمشق التي كانت الى ما قبل اندلاع احداث ما يسمى بالربيع العربي,محجاً لرموز التنظيم السري باعتبارها عاصمة الممانعة, ومثلها كانت طهران وبيروت باعتبارها عاصمة المقاومة واذْ بهذه العواصم الثلاث تحتل رأس القائمة السوداء عند مجموعة التنظيم السري التي خدعتها حسابات ما سمي بالربيع العربي,حيث ظنت ان الامور آلت اليها, وانها ستحكم دمشق والقاهرة, فما المانع من ان تحكم عمان ؟
ان الذي يعنينا من انقلاب الجماعة على علاقتها بالعواصم التي اشرنا اليها وغيرها من العواصم, هو ان الجماعة صارت تحدد موقفها من الدولة الاردنية على ضوء موقفها من هذه العواصم وفق بوصلة حماس, بصرف النظر عن المصالح الوطنية الاردنية واولوياتها, وهي الاولويات التي صارت محل خلاف داخل صفوف الجماعة عندما رفض الخيرون من ابنائها التضحية بأولويات الوطن على مذبح مصالح تنظيمية اخذتها اوهام القوة واحلام السلطة بعيداً, فكان لا بد من حركة تصحيح تعيد الجماعة الى حضن الوطن والاحتكام الى قوانينة.. وهو ما بدت تباشيره تلوح في افق الجماعة عبر تصويب وضعها القانوني كخطوة أولى لعودتها الى مسارها التاريخي.
الرأي