لو أجريت تجربة من الطراز البافلوفي على جائع من العالم الثالث، لانتهت الى اجابة حاسمة على سؤال يتكرر يوميا، وهو لماذا لا تصل الرسائل التي يكتبها مثقفون ويتولى الاعلام ايصالها الى المرسل اليه.
أتخيل هذه التجربة على النحو التالي: وهو تقديم قائمة من الاطعمة الحديثة لهذا الجائع، او قراءتها عليه بصوت مسموع، اجزم بأن لعابه لن يسيل ولا يحرك ساكنا اذا سمع كلمات مثل شاتوبريان وفيليه وحتى اومليت رغم انه مجرد بيض، ذلك لأنه لا يعرف معاني هذه الكلمات ولا يفرق بين كونها اسماء لخواجات او لأنواع من الشامبو.
وما يجري تقديمه من تقارير وقوائم لفقراء هذا العالم لا يقرأونه تماما كمعظم ما يُكتب عن المرأة، حيث هناك ملايين الاميّات اللواتي لا يسمعن به وهذا الفقه الاقتصادي الحديث الذي يسمي الفلافل كافيار واللبن يوغورت وبيض الدجاج اومليت، تعاد رسائله الى صاحبها وقد كتب عليها: لم يعثر ساعي البريد على صاحب العنوان المرسل اليه، انها لعبة اخرى، يحتال بها الاغنياء على الفقراء، بحثا عن توازن اخلاقي لا يقبل الصرف، وعندما نتجول في جغرافيا الجوع وتضاريسه الصفراء اليابسة نجد ان الوعود العرقوبية للجياع هي اشبه بقوائم الطعام في فنادق السبع نجوم وليس الخمس فقط.
وكأن اللغة اصبحت وسيلة لتعميق سوء التفاهم بين البشر تماما كما سماها الكاتب يونسكو في مسرحيته العبثية الشهيرة المغنية الصلعاء، وهناك مثل فرنسي قديم معناه ان الاغنية تتعفن اذا ابتعدت عن الرقصة التي تضبط الخطوات على ايقاعها، واللغة ايضا تتعفن اذا اصبحت كلماتها مجرد اصوات وبلا اية دلالات.
والجائع الذي لا يسيل لعابه على شاتوبريان وفيليه وحتى اومليت يحدث له العكس اذا سمع كلمات مثل الدجاج واللحم او حتى الخبز، لأن الانسان لا يستجيب لما لا يعرف ولم يجرّب، واحيانا تبدو لي الوصفات المتأنقة والمجففة عن الليبرالية والديموقراطية اشبه بقائمة الطعام التي تحدثت عنها، لا تثير اية ردود افعال او استجابات لدى سامعها لأنه لا يعرف دلالاتها، لهذا فإن من يتصورون بأنهم النخب يلعبون كرة القدم مع انفسهم، تماما كمن يرقص التانغو مع ظله او مع شبح يتخيله لكنه يفلت من ذراعيه!
الدستور