الأردن .. بين ذكرى التأسيس والاستقلال
د. سحر المجالي
25-05-2015 07:05 PM
قبل خمسة و تسعين عاماً ، سار الركب من بطحاء الحجاز يعتليه فارس عربي هاشمي، ممتطياً جواده عبر الصحراء، متوجها صوب الأردن، يحمل أمالا وطموحات بتحرير سوريا الكبرى، ليصل إلى معان يوم 21 تشرين الثاني 1920. ويتابع سيره إلى الطفيلة فالكرك فالبلقاء فحوران وحواضره. ويبايع من قبل أبناء العشائر الأردنية، من الهضبة إلى العقبة، بالحفاوة والترحيب بهذا الفارس العربي الهاشمي.
كانت المهمة صعبة أمام الأمير عبدالله الأول إبن الحسين , لكنه كان مدركاً حجم هذه المهمة وصعوبتها، الأمر الذي ساهم في تجاوز الكثير من التحديات التي واجهته خلال مرحلة التأسيس، فقد عقد الأمير عبدا لله الأول إبن الحسين العديد من اللقاءات والإجتماعات خلال الفترة من 28 إلى 30 آذار 1921، والتي سميت بمؤتمر القدس. هذا المؤتمر الذي حدد مصير الأردن، حيث أعتبر من المنظور الإستراتيجي ضربة قوية لوعد بلفور المشؤوم عام 1917، فقد إستطاع الملك المؤسس وبحكمته وبصيرته الثاقبة، إستثناء منطقة الأردن عن المنطقة التي حددتها خريطة المنظمة الصهيونية التي قدمت في مؤتمر فرساي عام 1919 ، والتي ضمت مناطق من الأردن حتى خط سكة حديد الحجاز إلى المشروع الصهيوني.
لقد ناضل الأردنيون إلى جانب أميرهم في سبيل الحصول على استقلالهم السياسي، معبرين في ذلك عن أنفسهم بالمظاهرات والاجتماعات والإحتجاجات والإضرابات العامة ورفع البرقيات إلى بريطانيا , وأثمرت هذه الجهود بتوقيع معاهدة الصداقة والتحالف الأردنية-البريطانية يوم 22 آذار 1946، والتي تضمنت اعترافا رسميا بالأردن دولة مستقلة استقلالاً تاماً، حيث اعتبر يوم 25 أيار- مايو 1946 يوما وطنيا رسميا لإعلان الاستقلال السياسي، وبداية مرحلة تاريخية جديدة في تاريخ الأردن.
و على الرغم من شح الموارد الطبيعية والإمكانات المادية وضآلتها ، إلا أن الأمير عبدا لله الأول تابع مسيرة العطاء من أجل أردن قوي بشعبه ومؤسساته حتى إنتقل إلى الرفيق الأعلى في 20 تموز 1951 ، شهيدا في باحة المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.
وحمل الراية المرحوم الملك طلال بن عبد الله، الملك المشرع والأب الروحي للدستور الأردني، حيث قاد مسيرة العطاء والبناء. فخلال فترة حكمه القصيرة، التي قضاها ملكاً، وضع الدستور الجديد للأردن عام 1952، الذي يعتبر من الدساتير الديمقراطية سواء في مجال النزعة أوالمضمون، لما يتمتع به من درجة عالية من المرونة والمقدرة على إستيعاب التوجهات الديمقراطية والإصلاحية في قابل الأيام.
وتولى المغفور له بإذن الله – الملك الحسين بن طلال ، قيادة مسيرة الخير والعطاء والبناء الأردنية ، والتي بدأها بالعمل من اجل الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، وبوحي من الديمقراطية والشورى من اجل رفعة الوطن و المواطن الأردني ، فكان في بواكير عهده مرحلة إستكمال الإستقلال والمتمثل في تعريب قيادة الجيش العربي عام 1956، وإنهاء معاهدة التحالف والصداقة الأردنية – البريطانية ، والتي تعتبر خطوة جريئة من قبل ملك شاب. كما تعرض طوال حياته للعديد من الإخطار الداخلية والخارجية ، سواء أكانت تحديات إقتصادية أو سياسية أو ظروف إقليمية تفتقد للأمن و الإستقرار، شكلت في مجملها تهديداً جدياً للأردن كنظام حكم سياسي وكوطن مستقل، إلا أن حكمت الحسين وحسن إدارته جنب الأردن هذه الشرور واستحقاقاتها.
وها هو الملك عبدا لله الثاني إبن الحسين، الشاب العربي الهاشمي، يكمل مسيرة المغفور له الملك الحسين بن طلال في بناء الأردن، برؤى حديثة متميزة في التنمية والتحديث للوصول إلى أردن عصري مسلح بالعلم والمعرفة والقوة والإرادة الذاتية، ليأخذ مكانه بين دول هذا العالم.
مؤكدا دائما في خطابه السياسي، سواء في المحافل الإقليمية أو الدولية، على مفهوم الديمقراطية والإصلاح السياسي، حاملا الهم العربي كزاد يومي. مواصلاً الليل بالنهار من اجل أن يصبح الأردن واحة أمن وإستقرار في منطقة غير آمنة أو مستقرة ، جاعلاً منه محطة جذب للعديد من الإستثمارات العربية والأجنبية، ومركزاً للإشعاع القومي والإنتماء للعروبة والأيمان بوحدة امتنا وتحررها. فهنيئاً للأردن والأردنيين وملكهم جلالة الملك عبدالله الثاني إبن الحسين وولي عهدنا المحبوب سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، بذكرى التأسيس الخامسة والتسعين والإستقلال التاسعة والستين.
almajali88@gmail.com
الراي