الاستقلال .. من وحي الذكرى والمناسبة
د. محمد عبدالقادر ربابعة
25-05-2015 02:45 PM
نستذكر الاستقلال ومعه الاباء المؤسسين، ورجالات الدولة الاردنية الاطهار، عبر مسيرتها الخالدة، فقد قدم الاباء والاجداد الغالي والنفيس من اجل صون الاردن ومنعته، ومن اجل استقلاله والدفاع عن عروبة فلسطين فقد استشهد الاردنيون على الثرى الغالي منذ بدايات القرن المنصرم، عندما رفضوا المساومة على عروبة فلسطين، وذودهم عن عروبتها واسلاميتها ورفضهم لكل مخططات الدول الاستعمارية ومعاهداتها ووعودها التي تمس الاراضي العربية وتعبث بوحدتها.
وقد كان الاستقلال الاردني، في تلك المرحلة مصدرا للاعتزاز والفخر بكل شريف من شرفاء هذه الامة ؛ حيث اعتبر الكثيرون بأنها بداية الطريق نحو الوحدة والتوحد العربي، خصوصا وأن هذا البلد جاء ليحقق شعارات النهضة العربية الكبرى في الوحدة والاخاء والحياة الفضلى ؛ فكانت البدايات بالأمارة الاردنية ومن ثم المملكة الغالية التي جادت على الجميع، على مكونات الشعب الاردني، وعلى ضيوفه من عرب وغير العرب ؛ وكانت هناك الجهود السائرة نحو اللقاء العربي، والالتحام العربي، والتوحد العربي والحلم المشروع باقامة دولة عربية موحدة في المشرق العربي، تمهيدا للانتقال الى وحدة عربية شاملة في اسيا وافريقيا العربيتين.
الاستقلال يعني لنا نحن ابناء الدولة الاردنية الحصن الحصين، والمنعة والعنفوان، ضد كل متغطرس، ضد الطغاة، ضد حقد الحاقدين، ضد المتآمرين، فقد صمد الاردن رغم كل المؤامرات التي حيكت ضده من القريب والبعيد، وكان كل مرة يقف الاردن ويعود لسابق عهده، بلد النشامى العرب الاحرار، بلد كل عربي اصيل شريف، بلد كل من حمل لواء الكرامة، وضحى لاجلها ودافع عنها.
الاستقلال يعزز عروبة الدولة الاردنية وقيادتها الهاشمية العربية الاصيلة، التي آمنت بأُمَّتيها العربية والاسلامية، والتي لم تنسلخ عنهما، بل حرصت باستمرار على صون كل ما هو عربي واسلامي، ووقفت ضد اراقة الدم العربي والاقتتلال العربي، وكذلك آمنت بالحل السلمي والدبلوماسي وعملت جاهدة لاجله، ولا شك ان المتابع للسياسة الاردنية يلحظ هذا الحرص الاردني الكبير ومدى الحرص الكبير عليه.
عندما نتحدث ونستشعر الاستقلال، نتحدث عن الدولة الاردنية الحاضرة في نفوس ووجدان النشامى دون استثناء، فالحياة التي يعيشها الاردنيون، هي تجسيد للاستقلال بكل معانيه، فهذه الدولة الاردنية، المملكة الاردنية الهاشمية، بنظام الحكم الذي يتكون من المؤسسات الرسمية الثلاثة، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهناك المؤسسات غير الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، والاحزاب وغيرها... كلها تتفاعل داخل ايطار واحد، اطار الدولة الاردنية؛ من اجل تحقيق معاني الاستقلال في الحرية والمساواة والاخاء والحياة الفضلى.
استقلال الدولة الاردنية، قاد الى بناء دولة حديثة عملت منذ التأسيس على تحقيق الكرامة والعزة والعنفوان للشعب الاردني، من خلال البناء المتين لمؤسسات الدولة المختلفة الرسمية والخاصة، هذه المؤسسات تعمل في اطار الدستور الحديث الذي شهد تطورا ونقلة نوعية خلال السنوات الاخيرة، من خلال الاصلاحات التي طالت بعض نصوص ومواد الدستور التي جاءت لتواكب كل ما هو عصري ومتطور؛ من اجل الوصول الى دولة الحداثة والمعاصرة، والانتقال الى الدولة الاردنية الانموذج في هذا الاقليم العربي العزيز علينا والذي يعاني من مشاكل وظروف عدم الاستقرار.
الاستقلال يعني التطور الدستوري والفقهي، الذي سينتقل بنا من دولة تستند الى اسس شرعية تقليدية، الى اسس مشروعية حديثة تتصف بالمرونة والديمقراطية، تتمتع بأبهى صور الحضارة والرقي في الثقافة والمدنية، كل ذلك يجعلها تستند في مشروعيتها الى رأي وارادة الشعب – المواطنين، وان مقياس الشروعية مستمد اساسا من قبول الشعب او رفضهم لقضايا وامور تهم مصيرهم وقضايا حياتهم اليومية؛ لذا لا بد من الحياة الديمقراطية التي يكرسها الاستقلال، من اجل العلاقة التي تربط الدولة بالشعب، هذا الشعب العربي الاصيل ابناء العشائر الاردنية الاصيلة النبيلة التي وقفت الى جانب النظام السياسي ولم تخذله يوما من الايام عبر مسيرة الاستقلال وقبلها عبر مسيرة التأسيس للدولة الاردنية الحديثة.
الاستقلال يقودنا الى الحديث عن أمن واستقرار الدولة الاردنية، التي عدها الكثيرون قبلة الاخرين الذين ضاقت بهم بلادهم ضرعا وضاقوا هم بها ضرعا، لاسباب ومسببات كثيرة اهمها الاقتتال والحروب، فالحمد لله رغم ما نتحمله من تبعات كبيرة ومتعددة لعمليات اللجوء سواء كانت السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية، الا ان الدولة الاردنية والشعب الاردني الحبيب والعزيز، يتحمل هذه العقبات والقضايا والمشاكل، ويديرها بكل قوة وعزم واصرار... لتكون النتيجة القدرة والاقتدار على التعامل مع هذه الامور والقضايا الجسام.
الاستقلال يعني مستقبل الدولة الاردنية، والدور المستقبلي الذي يمكن ان تلعبه على مستوى الاقليم، من خلال ما تمتلكه من رؤية وكفاءات ومقدرات مختلفة ومتعددة، كما هي الحالة الاردنية في كثير من القضايا التي تقوم بها على المستوى الدولي من حالة فرض الامن والنظام في كثير من حالات النزاع والحروب الاهلية، ومساهمتها في حفظ الامن والسلام الدوليين، ومشاركتها في محاربة الارهاب الدولي، ارسال المستشفيات الى مناطق تحتاج الى المساعدة والاغاثة، ناهيك عن المساعدات العينية على شكل مواد غذائية وطبية وغيرها.
الاستقلال يعني وسطية وتسامح الدولة الاردنية نظاما وشعبا مع المحيط الذي تعيش به، ومع الجميع، هذه الوسطية وهذا التسامح الاسلامي، الذي حثنا عليه ديننا الحنيف، وكذلك تربى عليه الاردنيون ونهلوا منه ؛ وهو ايضا يقودنا الى المحبة وقبول الاخر والتعايش معه، وبالتالي حالة التعايش والأُلفة ما بين مكونات الشعب الاردني على اختلاف الاديان، وعلى اختلاف المذاهب والفِرَق داخل الدين الواحد، اختلاف العرقيات والاصول، كلها تعيش في دولة واحدة هي المملكة الاردنية الهاشمية، تحت راية الاردن الخفاقة، التي جمعت الدين الاسلامي، وجعلت الاصول والاديان تحت ظل القيادة الهاشمية، وعميدها حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه.