الاستقلال صهيل ثورة ومملكة مذهلة
د.حسام العتوم
24-05-2015 02:27 PM
بعد (69 عاماً) على استقلال واستقرار وطننا الأردن الغالي نحني مجدداً له رؤوسنا انتماءً ولقيادته الهاشمية الحكيمة التي يتقدمها سيدنا جلالة الملك عبدالله لثاني ولاءً، ونجد كيف تنتقل الذاكرة معه عبر شريط يربطنا بين صهيل وعربات قطار ثورة العرب الكبرى المجيدة 1916 وبين البناء المستمر والمذهل في داخله مع مرور السنين رغم تقلب الأزمات وسط غبار الحروب وتآمر الإرهاب الناجم من نتاج الربيع العربي الأسود حالياً عليه الذي بدأ عام 2011 بهدف الإصلاح، وهو الوطن المؤهل بشموخ منفرد لقيادة وحدة العرب بعد تمزق نسيجهم كونه الأقرب لروح ثورة الحجاز والأكثر اعتدالاً في سياسته الخارجية والداخلية ولدرايته بما يحيكه الاستعمار للأمة أكثر من غيره؛ يقول المؤرخ الأردني الكبير المرحوم سليمان الموسى في كتابه الحركة العربية (ص694/965) بأن (الملك حسين قام بالثورة وهو يعتقد اعتقاداً جازماً أن الوحدة العربية ستكون من جملة نتائجها، وتصور بأن الأقطار العربية المتعددة ترتبط بعضها مع بعض بروابط تشبه الوحدة بين الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث يتمتع كل قطر بالاستقلال الداخلي التام بينما تتولى الحكومة المركزية السياسة الخارجية، وبحيث تتمثل الوحدة في العلم الواحد والنقد الواحد وجوازات السفر الواحدة، والمصالح الاقتصادية الواحدة والجيش الواحد، وفي المقابل فإن لإنساننا الأردني وطأة قدم تعود لـ500 ألف عام قبل الميلاد، وتخترق جملة من الحضارات الأدومية والعمونية والمؤابية والطريق المملوكي ومملكة الأنباط الضاربة في التاريخ.
وفي وفادة الشركس عام 1858، وبعد ذلك الشيشان (وايناخ) 1901 تجاه الأردن وغيرهم من القوميات عندما كانت عمان عمون، وكانت أطراف المدرج الروماني والقلعة هي الملاذ حسب مصادر (الشركس)، و(دليل أهلنا)، و(جبليو القفقاس)، و(موسوعة بدائع الزهور في وقائع الأمور)، ومقالات الباحث الدكتور أمين شمس الدين داسي الشيشاني، تحولوا لاحقاً إلى خير مساهمين في إعمار بدايات الأردن وشكلوا مكوناً اجتماعاً أساسياً في نسيجه الاجتماعي إلى جانب عشائر أردنية عديدة متجذرة وراسخة أقدامها في التاريخ، وهي التي جهزت صحراء معان في أقصى الجنوب لتكون نواة آهلة لاستقبال الثورة، وتقدمهم شيوخاً مغاوير أمثال مثقال الفايز، وعودة أبوتايه، ومحمد علي العجلوني وغيرهم كثير، وتم بناء دولة الإمارة وسط ظروف لامست نهاية الحرب العالمية الثانية 1914–1918، وتصادم ثورة العرب الكبرى التي تقدمها باتجاه الأراضي الأردنية الأمير عبدالله بن الشريف حسين مع الأتراك، وتآمر الاستعمارين الإنجليزي والفرنسي ومن خلفهما الصهيونية الماكرة على الثورة لتمرير اتفاقيتي (سايكس – بيكو 1916) و(وعد بلفور 1917) التآمريتين على العرب وعلى المنطقة الشامية التي عاشت الوحدة ولم تنسلخ عنها إلا بسبب الاستعمار لاحقاً، ولإدخال الضوء الصهيوني الفاسد إلى عمق فلسطين العربية، ولا ننسى هنا بأن أول شهيد أردني على أرض فلسطين 1920 الشيخ كايد مفلح عبيدات، ولم يخطر على بال أحد بأن الأمير عبدالله الأول الذي بنى نواة للصحافة الأردنية على أرض الأردن وجلب لها مطبعة لاحقاً من فلسطين 1923 (حنا خليل نصر) بينما طبعت سابقاً على ورق الجلاتين واختار لها أن تكون قومية ثورية نافعة، هو نفسه الذي صنع لنا في تاريخ الأردن الصحافة الاستقصائية (Investegation) عندما كتب فيها تحت توقيع (ع) ليحصد ردود فعل الناس بلا دعاية للدولة والحكومة في عهده والاهتمام بقضاياهم المباشرة والمتمثلة في الفقر والبطالة وشح المياه وضعف الموارد الطبيعية والبنية التحتية، ووجد في المقابل في التحالف المؤقت مع الإنجليز على شكل انتداب استراتيجية واقعية للتمكن من بناء الدولة وترسيخ جذور الدولة، وهو من أسس لبناء قواعد لقوانين الصحافة حتى تكون ناظمة لأعمالها في زمن امتداد مساحات الأمية وانحسار إمكانات رفد المؤسسات التعليمية بالبنية التحتية اللازمة، فصوت مجلس الأمة تاريخ 25/مايو/1946 على تحويل الإمارة إلى مملكة والأمير إلى ملك، واغتيل جلالته رحمه الله في بداية مملكته وسط ظروف غامضة أمام المسجد الأقصى في القدس.
وشكل عهد الملك طلال 1951/1952 انطلاقة قوية وهامة لدسترة وقوننة الدولة، كما أحدثت المادة (15) منه رافعة حقيقية لسقف الحرية وهي التي نادت بأن تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون، وبأن الصحافة والطباعة حرتان ضمن حدود القانون أيضاً، وبأنه لا يجوز تعطيل الصحف ولا إلغاء امتيازاتها إلا وفق أحكام القانون، وبأن تكون الرقابة محدودة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة وأغراض الدفاع الوطني في حالات إعلان الأحكام العرفية أو الطوارئ وهو الدستور الذي حظي بتعديلات جوهرية عديدة في أوقات مختلفة إلى الأمام أثْرَتْ الحياة الديمقراطية مثل الدعوة لإنشاء هيئة مستقلة تدير الانتخابات النيابية والبلدية، ودور هام للإستراتيجية الإعلامية الأردنية الصادرة عام 2013 تحت رعاية ملكية سامية بكل تأكيد.
ويكتب ناشر كتاب مهنتي كملك بالعربية الباحث عصام مصري (ص6) فيه قائلاً: (تولي الملك ليس ترفاً عند الحسين بن طلال، وإنما هو حق، وواجب، ومسؤولية، لأن النظام الملكي أرفع أنظمة الحكم في التاريخ البشري وأسماها، ولا يتولى الملك إلا العظماء من الناس والأسياد، وهو أجدر الأنظمة في تحقيق السلامة والاستقرار والعمل المنظم الهادف والبناء)، ولقد خدم عظيم الأردن الراحل الحسين شعبه وأمته العربية 46 عاماً (1953–1999) كانت بحجم الدولة الحديثة، وشهد بأم عينه استشهاد جده المغفور له بإذن الله الملك عبدالله الأول وعمل في معية والده ولياً للعهد، ويسجل لجلالته رحمه الله إقدامه على تعريب قيادة الجيش 1956 وإنهاء المعاهدة الأردنية البريطانية 1957، وللمشير حابس المجالي قائد جيشه عام 1960 على إنقاذ حياته بعد حادثة اغتيال رئيس الوزراء آنذاك هزاع المجالي (ص166 كتاب مهنتي كملك)، وحقق الأردن بهمة جيشه العربي المصطفوي وأهل فلسطين النصر الكبير نيابة عن العرب في معركة الكرامة المشهورة التي قادها على الأرض عام 1968 اللواء الركن المرحوم البطل مشهور حديثة الجازي ابن مدينة معان، وبعد تجاوز محنة السبعينات والتي انتهت باغتيال الزعيم الأردني والعروبي القومي الشعبي وصفي التل يجد الأردن نفسه آنذاك أمام مفترق طرق فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية بناءً على طلب من الدول العربية ومنظمة التحرير في مؤتمر قمة الجزائر عام 1974، ويساهم جلالته رحمه الله إلى الأمام في صياغة قرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) الذي عقب نكسة حزيران 1967 بدعوة إسرائيل إلى الانسحاب الكامل من أراضي العرب مقابل تحقيق السلام، وكان له دور جوهري في عقد مؤتمر مدريد الذي فتح المجال لتفاوض أردني فلسطيني مشترك مع إسرائيل بحثاً عن مستقبل أمن، وفي عام 1994 وقع الأردن معاهدة السلام التي حققت الأمن الممكن رغم المعارضة الشعبية لها حتى الساعة وموافقة البرلمان عليها آنذاك، واعتلى البناء الكبير على مستوى الطرق والمدارس والجامعات والمصانع والمستشفيات والمطارات، وفي عام 1999 ودع الأردنُّ جلالتَه طيب الله ثراه وزعماء العالم وسط جنازة مهيبة اعتبرت الوحيدة حجماً ونوعاً على العربي والعالمي.
وكتب سيدنا جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في كتابه (فرصتنا الأخيرة ص177): (عم الحزن والأسى أرجاء الأردن على مدى الأيام والأسابيع التي تلت وفاة والدي، ... ففي الليلة السابقة لجنازته نمت وأنا رب عائلة من أربعة أفراد لأستفيق صباح اليوم التالي وقد أصبحت عائلتي خمسة ملايين نسمة)، والآن نقول لجلالة الملك بأن عدد سكان الأردن أصبح تسعة ملايين نسمة إن لم يكن أكثر، والهجرة السكانية تجاهنا نتيجة اضطرابات المنطقة في تزايد طردي، فلدينا مليون ونصف المليون شقيق سوري نازح وغيرهم من كافة بقاع العرب، وربيع أردني يحافظ على ذاته أخضراً بفضل حكمتكم وبعد نظر الدولة، وفي المقابل مشاريع أردنية عملاقة نفذت أو في طريقها إلى ذلك مثل (الديسي للمياه)، و(النووي السلمي بالتعاون مع روسيا)، و(منطقة العقبة الحرة التي تعج بالاستثمارات العربية والتي من أكبرها الكويتية والإماراتية) لذلك نجد أنفسنا نحن الأردنيين أمام مملكة مذهلة تقفز إلى وسط المستقبل بخطى ثابتة رغم الأزمة المالية العالمية وارتفاع المديونية إلى (23,5 مليار دولار)، والحاجة لمشاريع تنموية لازمة أخرى أيضاً، وانتشار الفقر والبطالة وبنسب مئوية متقاربة (12–14%)، وحراك دولة رئيس الوزراء الأسبق الشاب سمير الرفاعي في مختلفة محافظات المملكة واقترابه من الشارع الأردني ومنها جرش ومعان في ظل استمرار عمل حكومة النسور الحالية يؤشر على أن عقل الدولة بدأ يجري مناورات ميدانية تجاه التغيير بعد الاستفادة من تجارب الماضي وسلبيات الحاضر إن صح التعبير، ومشروع رفع سعر رغيف الخبز المرفوض شعبياً شكل دعوة بهذا الاتجاه إن مس حياة الطبقة الوسطى والعامة وتحول إلى حقيقة، وأكد الرفاعي في جرش في المقابل أهمية قانون الانتخاب ونظام الانتخاب المطلوب، والملائم لتطوير حياتنا البرلمانية والسياسية، مؤكداً على أن جلالة الملك استثمر السنوات الأربع الفائتة، بإحداث نقلة نوعية، على المستوى التشريعي، ساهمت بها مؤسسة البرلمان والفعاليات والأحزاب والهيئات السياسية، والمعارضة الوطنية الملتزمة، وتم بالفعل إجراء تعديلات دستورية مهمة وواسعة، وتعديلات تشريعية أخرى في مجالات الحريات العامة.
والتحدي الكبير الذي واجهته مملكتنا الأردنية الهاشمية وستبقى تواجهه في مستقبلها إلى الأمام هو بالتأكيد الاقتصاد والإرهاب، وجهود كبيرة بذلتها الدولة للنهوض اقتصادياً ولا زلنا بحاجة لعمل الكثير بحكم غياب المصادر الطبيعية الأساسية الداعمة لذلك والمتوفرة في المنطقة وعلى خارطة العالم، ولنا مشاركات قوية في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي استضافه الأردن (دافوس) في البحر الميت ويكرر ذلك، لكن قوة إيماننا بقيادتنا وشعبنا المتعلم والمثقف وبوجود حوالي (2) مليون طالب سنوياً على مقاعد الدراسة الثانوية وبناء (32) صرح جامعي متميز، وشروع جديد لاستخدام الصخر الزيتي وعلاقات متوازنة مع دول العالم وبجهد الأحزاب والتفاف العشائر الأردنية الكريمة نعلي البنيان وعيننا على وحدة العرب، وسبق أن تلقى الإرهاب درساً لن ينساه عندما حاول التطاول على وطننا الأردن عام 2005 تحت اسم (القاعدة)، وعندما كرر فعلته النكرة وتجرأ وأعدم طيارنا شهيد الوطن معاذ الكساسبة حرقاً وهو حي رغم أنه يعتبر أسيراً مسلماً وكان هذا باسم عصابات وخنازير تنظيم (داعش) المنحدرة من تنظيم (القاعدة) الإرهابي نفسه، ومطاردته أردنياً بكل الوسائل ووفق برنامج شامل كما يؤكد ذلك دائماً جلالة الملك عبدالله الثاني مستمرة، ونهاية قوة الإرهاب قريبة بعون الله، واعتزازنا بقواتنا العربية الأردنية الباسلة وأجهزتنا الأمنية بلا حدود، والأمل كبير بأن تتعافى كل مدن الأردن العزيز، وأن تجد القضية الفلسطينية المجاورة لنا حلاً عادلاً بعد قيام الدولة وعاصمتها القدس الشريف وضمانة حق العودة والتعويض، وأن تنتهي الاحتلالات الاستعمارية المباشرة لأراضي العرب وغير المباشرة الناخرة لاستقلالهم وسيادتهم، وعاش الوطن والملك.