وداع أستاذ الجيل وشيخ العربية ناصر الدين الأسد
أ.د. عبدالله العنبر
24-05-2015 01:36 PM
هذه كلمات تمد آفاقها لوداع أستاذ الجيل وشيخ اللغة العربية ناصر الدين الأسد الذي حمل راية هذه اللغة بكل تجلياتها في رحاب: الحضارة والثقافة والفكر والتاريخ والسياسة.
ويودع العالم العربي والإسلامي شيخ الضاد والعنوان الكبير لثقافة هذه الأمة وحضارتها العربية والإسلامية في أبهى معانيها وأسمى تجلياتها، وستظل أنظار الأسد خالدة توقد للجيل منارات الهدى برؤية صافية وفضاءات تشكل فتنة البيان ولذته.
ويوغل المشهد الأكاديمي بالحزن المهيب على نموذج فكري ملأ العالم وشغل الناس، فلا يمكن أنْ ترى العالم كما كنت تراه وأنت تصغي لناصر الثقافة العربية والإسلامية وهو يحاضر في رحاب الجامعة الأردنية ويقود الحرف العربي إلى أقصى تجلياته ويشكل حضوراً دائماً لسياسة البيان والاستعارات التي نحيا بها .إنّه الطود الشامخ القابض على رسالة اللغة العربية والقائد لنهج بلاغتها وفارس الكلمة المؤثرة التي أصلها ثابت وفروعها تسري لذة نص في جسد الأمة.
ويتذكر العالم العربي والإسلامي أستاذ الجيل الذي وقف ثابتاً للدفاع عن حياض الهوية الثقافية في زمن الهويات القاتلة. وينصر ناصر الدين الأسد الثقافة العربية والإسلامية ويؤسس للحوار مع الآخر بوعي حاد يواجه عاصفة العولمة بمرايا العوربة.
في هذه اللحظة صوت الشاعر الأردني الكبير حيدر محمود وهو يخاطب الأسد قائلاً: ويُطل
لَوْ كانَ يَكْفي قَريضي ناصِرَ الدِّينِ
لَكُنْتُ أَهْدَيْتُهُ كُلَّ الَّدواوينِ!
يا سيِّدَ الحَرْفِ، أَخْشى أَنْ يُعانِدَني
حَرْفي أمامَكَ، أو ألاَّ يُلَبِّينِي!
فَمَنْ إذَنْ يَنْصُرُ" الُفصْحى".. ويُنْقِذُها
إنْ لم تَكُنْ أنتَ؟ مَنْ يا ناصرَ الدِّينِ!
ويبوح له الأسد في اليوم نفسه قائلاً:
إنَّ اللُّغاتِ هي الأوطانُ ما بقيتْ
شعبٌ بلا لغةٍ، شعبٌ بلا وطنِ!
وتلك أُمَّتُنا وَسْنَى تلوذُ بنا
فكيف نُوقِظُها مِنْ غَفْوَةِ الوَسَنِ؟!
لكِنَّما الدَّربُ مسدودٌ ومنعرجٌ
والسَّيْرُ فيهِ مخوفٌ، غيرُ مُؤْتَمَنِ!
ويهدي الأسد لأبناء اللغة العربية ميراثاً فكرياً يحمل التحدي وتنهل منه الأجيال أصالة البذل والعطاء وروح الالتزام والمسؤولية، ويشكل هذا الميراث كنوزاً معرفية تطرد عتمة الليل وتتوهج بالقيم النبيلة وتشكل أمل المثقفين العرب في غدٍ مشرقٍ قادرٍ على تحقيق ما تصبو إليه الأمة. وستظل سيرة الأسد مشرقة تسري في روح التاريخ الأردني مذكرة بنجوم قابضين على وهج الرسالة التي يفتدونها بالمهج والأرواح لتبقى راية الأردن عالية خفاقة.
سلامٌ لروحك من كل الأردنيين
وسلامٌ لأرواح شهداء هذه الأمة.