من الطبيعي في ظل حزام النار الذي يلف العالم العربي أن تنكمش الاقتصاديات والأعمال ، ولكن في دولة كالأردن بحجمها واقتصادها المتواضع، وتحدياتها الاقتصادية والبشرية والأمنية يمكننا أن نحمد الله كثيرا على بركته وصمود الأردن أمام كل هذه العواصف العاتية ، فالأردن يعاني تماما كما تعاني سوريا التي دمرتها الحرب الداخلية والحرب بالإنابة، فالأردن المستقر بصلابة جبهته الداخلية وجيشه المحترف، يدفع الثمن غاليا جدا بسبب حروب الأشقاء وصراعات الدول سياسيا وخلافات وجهات النظر الإقليمية، ومع هذا لا زلنا نصارع من أجل البقاء في المربع الآمن حتى ولو بالحد الأدنى ،ومع هذا فلا أحد ينظر الى هذا الجزء من الأرض العربية التي من الممكن أن تكون «مؤتمر سلام» يوقف تدفق الدماء والموت وهدر المليارات في حروب لن تضيف شيئا لحضارتنا العربية سوى الحسرة.
في «دافوس» تأتي الفرصة مجددا لوضع صورة الأردن الجميل في إطار قوي وصلب من الاستقرار ،ولو استطاع المعنيون الترويج للاستقرار والأمن الداخلي في بلدنا من خلال تلك الفرصة عبر وسائل الإعلام العالمية ،ليست الغربية فقط بل والشرق اسيوية أيضا كاليابان والصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وغيرها من الدول القوية إقتصاديا ، لاستطعنا فعلا إعادة النظر في الجغرافيا الحربية في الشرق الأوسط ، ولاستطعنا إقناع رؤوس الأموال الكبرى بأن الأردن ليس سوريا التي يتقاتل فيها الناس بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة ،لا بالطائرات والصواريخ البالستية، وهو ليس العراق الذي يشهد معارك كرّ وفرّ بين قوات حكومية متواضعة وأفراد مليشيات وبين تنظيم داعش المبرمج حسب المناطق الأكثر إقصاء وكراهية ،وهو ليس صحراء سيناء المفتوحة على شرم الشيخ وطابا والغردقة ومع هذا لا زال السائحون والمستجمون يقصدونها بالآلاف.
الاستقرار لا يتحقق بمجرد أن نعلن عن آمالنا وأمنياتنا بأن السماء ستمطر علينا صناديق الاستثمار وحقائب العقود والوعود فحسب ، بل يتحقق عندما يفهم المواطن العادي أنه العنصر الأساس الذي تتشكل منه المنظومة الأمنية ،وأن يفهم أنه إن أراد بيئة أعمال وتجارة جيدة ،يجد فيها فرصة العمل له ولأبناء البلد ،فعليه أن يكون فاعلا في الحفاظ على الأمن والاستقرار،ليس في حمل مسدس وحراسة بيته وشارعه ،بل بالبدء فورا بغرس مفاهيم التربية الصالحة والمواطنة الصالحة والحرص على الأمن والاستقرار في عقلية أبنائه وأهله وأصدقائه وأبناء بلدته ما أمكنه ، وأن يدعم سلطة القانون حين تتحرك القوة التنفيذية للقبض على الأشرار لا مقاومتها.
مع الأسف لا يزال هناك العديد من البؤر التي تعودت على الفوضى ، ودعم هذه الفوضى حالة التراخي الأمني التي شهدناها في السنوات الأخيرة ،ورغم مراعاة السلطات لوضع بعض المناطق والأطراف في المملكة من الناحية الإجتماعية ،فإن العديد من المستفيدين من حالة الفوضى وتشكيل العصابات وتنصيب القبضايات لا زالوا يمارسون خبثهم في ازدواجية الشخصية والكلام،فتراهم في المجالس الرسمية رجال دولة وقانون، بينما يتدخلون بعد انتهاء الدوام الرسمي في وقف ملاحقة المطلوبين ، وآخرون يفرضون آتوات على الاستثمارات في مناطقهم، وهناك لصوص كبار تحت ثياب أنيقة ، وهناك من يريد أن يصبح إمبراطورا على حساب الأمن والإستقرار الوطني ، ثم يذهب الجميع الى صلاة الجمعة بثيابهم البيضاء يستغفرون.
على من لا يزال نائما أن يستيقظ وأن يفتح عينيه وأذنيه وتفكيره ،ليفهم أن بلدنا محصورة بين تلك الغابات المحترقة ،وما بين مجتمعنا الذي ضاق ذرعا بفقره وغلاء معيشته وتزاحم الأيدي الغريبة فوق يديه ،ومهما حاولنا أن نتكيف مع الأوضاع المستجدة لن نبلغ مرحلة الإنسجام ، ولهذا يجب علينا نحن المواطنون الإنتباه جيدا لما قد نتسبب به من تدمير لا قدر الله في بلدنا دون أن ننتبه ،فنحن في النهاية من سيدفع الثمن، لن يبكي علينا أحد، وسيلومنا الجميع وذنب غيرنا أكبر،فلنعمل لاستقرار وطننا وحمايته فلن يحمينا المال إذا داهمتنا النيران لاقدر الله.
"الراي"
Royal430@hotmail.com