عن "شورى" الإخوان ومعاييرنا المزدوجة
عريب الرنتاوي
03-05-2008 03:00 AM
يأخذ بعضنا على جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، أنها فلسطينية بأكثر مما ينبغي، بل وربما بأكثر من الفلسطينيين أنفسهم...و"فلسطينية" هنا لا تقتصر على اتساع نفوذ الجماعة في أوساط الأردنيين من أصول فلسطينية فحسب، بل تمتد لتطاول أجندة الجماعة التي تطغى فيها أولويات "المسألة الفلسطينية" على حساب الأولويات الأردنية.
لن نجادل في مدى صحة أو خطأ هذه الفرضية / الاتهام، فنحن أبناء جيل تفتحت عيونه على إعلام رسمي دائم التكرار على مسامعنا، بأننا قوم منذورين للإخوة في فلسطين، وأن ما نوليه للمسألة الفلسطينية من اهتمام سياسي ودبلوماسي، ومن مساحات في لقاءات مسئولينا مع قادة العالم وزعمائه، يفوق ما نفرده من وقت وجهد لقضايانا الوطنية الخاصة، الأمر الذي لا يترك لنا سوى واحد من تفسيرين: إما خطابنا الرسمي لا يقول الحقيقة وهو يتحدث عن عمق اهتمامنا بقضية فلسطين، وإما أننا نكيل بمكيالين ونعتمد معايير مزدوجة، فنأخذ على "المعارضة" ما تفعله "الحكومة"، ونسم "الفعلة" ذاتها بسمات متناقضة، فهي تعبير عن الأخوية والإيثار الحميد والالتزام القومي حين تصدر عن "الحكومات"، وهي أفكار مستوردة وارتباط بالخارج وغربة وتغريب، بل و"قلة وطنية" حين تصدر عن "المعارضات".
ستقوم الدنيا ولن تقعد تعليقا على نتائج انتخابات "شورى" الجماعة، وسنستمع لمن سيقول بأن حماس أكملت الطوق وأحكمت القبضة على الحزب الرئيس في الحياة السياسية الداخلية الأردنية، وربما يستكثر البعض على الجماعة انتخاب مراقب عام، متشدد ومن أصول فلسطينية، وعضو فاعل في "خلية صويلح" وفقا لتسميات بعض الكتابات التي تعد رجع صدى ساذج وشتائمي، لأفكار "المحافظين الجدد" ومواقفهم التي هزمت في موطنها الأصلي، ولم يبق لها من نصير إلا في صحافة "العروبة النفطية" ومدرستها التي دافعت عنها السيدة رايس بقوة في اجتماعات جوار العراق وأصدقاء لبنان التي عقدت مؤخرا في الكويت.
لن نقرأ كثيرا عن "المسؤولية والمسؤول" عن الحالة التي آلت إليها الحركة الإسلامية مؤخرا، والتي تميزت بهزيمة "تيار الاعتدال" في داخلها، لصالح من يصنفون بالصقور والتيار الرابع إلى غير ما هناك من تسميات زئبقية يصعب الإمساك بها بقبضة اليد، لن نجد كثير من الكتاب والمعلقين يتحدثون عن أثر "التطرف الحكومي" في إذكاء وإحياء "التطرف الإخواني"، فالضغوط التي تعرضت لها الجماعة، وتحديدا في عهد حكومة الدكتور معروف البخيت، ما كان لها أن تنتهي إلى غير هذه النتائج.
مثلما يصعب فك ارتباط الأردن بقضية فلسطين، حتى وإن فك ارتباطه قانونيا وإداريا بالضفة الغربية، فإنه سيصعب فك ارتباط الحركة الإسلامية الأردنية بهذه القضية، وفي غياب تعبيرات سياسية ديمقراطية وليبرالية وقومية ويسارية، فإن الإسلام السياسي بطبعتيه الإخوانية والسلفية، سيظل لاعبا رئيسا على ساحتنا الوطنية: إخوانيا في أوساط الأردنيين من أصول فلسطينية، وسلفيا في أوساط البادية والمحافظات وبعض المناطق المهمشة، وهذا أمر سيبقى ملازما لنا، طالما ظل مشروعنا الوطني للإصلاح السياسي والتحوّل الديمقراطي معلقا في الهواء إلى جانب العهود والتعهدات والبيانات الوزارية.
أما حكاية "السابقة" التي تتحدث عن تولي أردني من أصل فلسطيني زعامة الجماعة، فتلك مسألة لا يجوز التوقف عندها أصلا، فقد تولى أردنيون من أصول فلسطينية رئاسة الحكومة في الأردن قبل فك الارتباط وبعده، صحيح أن هذا حصل في أزمنة تبدو بعيدة جدا، بل وضاربة في القدم، لكن من قال أن نظرية "الكفيل" الخليجية التي يسعى البعض في استيرادها وتوطينها، يمكن أن تكون مقبولة عند غالبية الأردنيين ؟!.
عن مركزالقدس للدراسات والكاتب مديرها .