فرضت السنوات الماضية تحديات جساماً على الأردن، كما غيره من دول الاقليم والعالم، نتيجة النيران المشتعلة في غير مكان، والتي تحيط بالمملكة كما «الحزام» على الخاصرة.
صحيح؛ أنها تحديات كبيرة على الأردن وعلى الأردنيين، ولكن منذ متى لم تكن المملكة وسط تحديات، صغرت أم كبرت، ومنذ متى لم نكن، من الاستقلال الأول وحتى اليوم، وسط أمواج هادرة متلاطمة.
وصحيح أيضاً أن المراهنات على سقوط الأردن لم تغب يوماً وعلى مر العقود عن مخيلة ضعاف النفوس الذين يتربصون بالوطن، لانتهاز أي فرصة للهجوم عليه، أو النيل منه بشتى الوسائل والسبل. وفي كل مرة، قالها سيد البلاد عبدالله الثاني، «كنّا على المحك، خرجنا أقوى. واليوم تحديدا نحن أقوى من أي وقتٍ مضى. وعند المِحَن تظهر أصالة المعادن. ومعدن الأردنييـن هو الأصفى والأبقى والأغلى، ينصهر ويتحد في أتون الأزمات».
وهنا، ونحن نعيش في هذه الايام مناسبة وطنية صنعتها ارادة هذا الشعب الابي وقيادته الهاشمية الملهمة وهي عيد الاستقلال، نستحضر إنجازات سُجلت بحروف من ذهب على صحائف الوطن، وقبل ذلك ما يواجه المسيرة من تحديات.
الاحتفال بعيد الاستقلال، يتطلب الا يمر بشكل عابر يقتصر على تبادل التهاني والتبريكات.. أو عبر مظاهر الاحتفال المتداولة.. ولكن المطلوب من جميع أبناء هذا الوطن التكاتف مع بعضهم البعض في قالب واحد.. والوقوف جنباً إلى جنب تحت لواء المصلحة العامة. فالمحافظة على الاستقلال تتطلب لحمة وطنية ووعياً شاملاً للمتغيرات التي تعصف بالمنطقة ولا يسلم من آثارها إلا من قدم المصلحة العامة للوطن والشعب على المصالح الشخصية الآنية وتعامل مع معطيات المرحلة ومتغيراتها المحلية والاقليمية والدولية بروح المسؤولية العالية.
يستحق الوطن منا جميعا التضحية بالغالي والنفيس ليبقى عزيزا قويا صامدا امام التحديات الجسام التي واجهناها وسنواجهها دون كلل أو ملل، فهذه هي شيم الأردنيين الاشاوس الذين ما لانت عزائمهم ولا استكانت هممهم مهما اشتدت الخطوب، فماضينا وحاضرنا ومستقبلنا المشرق بعون الله خير شاهد على ذلك. إن ما يمر به عالمنا العربي من صعاب وتحديات وتغييرات يستدعي أن نتعامل مع المرحلة بروح الوعي والاستنارة وأن نجعل همنا الاساسي المحافظة على الوطن وامنه، وان نفوت الفرصة على كل من تسول له نفسه النيل من مكتسباته وانجازاته التي اسرت الاشقاء والاصدقاء واغضبت المتربصين به.
نتناول، من عبق الاستقلال، ونحن نحتفل به، سيرة عطرة من صفحات التاريخ تقف فيه الكلمات حائرةً امام عظمة الانجاز، حيث أنعم الله على الأردن بالقيادة الفذة التي تمكنت من ايصال الماضي بالحاضر والحاضر بالمستقبل لتساهم بتحويل طموح الأردن إلى واقع ملموس، صنعه الهاشميون منذ الملك المؤسس عبد الله الأول والملك طلال والملك الباني الحسين بن طلال طيب الله ثراهم جميعا، ليتسلم الراية بعدهم جلالة الملك عبد الله الثاني الذي حقق للاردن انجازات ملموسة على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية، ووفر لأبناء شعبه فرص التميز والإبداع والمشاركة في صنع القرارات، وفتح الأبواب للمساهمة في مسيرة التنمية والاستفادة من مكاسبها، كما حافظ جلالته على الثوابت الأساسية لقضايا الأمة وتوضيح سماحة دينها وإنسانيتها، ورسالة عمان خير دليل على ذلك، رسالة الأمة للعالم أجمع، حتى غدا الأردن بفضل قيادته وطناً مزدهراً تلتف حوله الأسرة الأردنية الواحدة. ويبقى، أن قَدَر هذا البلد، ما كان يوماً، "إلا أن يكون بدايةً لما هو أعظم".