من الذي افشل جولة مؤتمر حظر السلاح النووي الاخيرة؟
أ.د. سعد ابو دية
23-05-2015 09:54 PM
سمعت بعض ردود الفعل العربية حول البيان الختامي في موتمر حظر انتشار السلاح النووي ومما سمعت وقرأت ان مصر هذه المرة ومعها العرب (جادون) اكثر من السابق في موضوع التعامل مع الموضوع وخاصة بعد ان ادارت الولايات المتحده للعرب ظهرها قبل ثلاثة اعوام بعد ان تم تطمين العرب ان عليهم التوقيع على البيان الختامي قبل خمس اعوام على ان يعقد موتمر بعد عامين ولم يعقد الموتمر . وللعلم طلب العرب عادل وهو انشاء منطقه خاليه من السلاح النووي وان توقع اسرائيل ولكن اسرائيل لم توقع وهي الدولة الوحيده في العالم التي تفرض شروطا في اتفاقية ليست موقعه عليها ويتهم العرب في الموتمر الاخير هذه المره بريطانيا وكندا وجزر المارشال والولايات المتحده بتعثر المفاوضات والحلول .وهذه الاتفاقيه او المعاهدة التي لم تنضم لها اسرائيل بعد في حين انضمت الدول العربيه واخرها عمان وجيبوتي والامارات العربيه عام 1995 وليسمح لي القراء ان ادلي بدلوي واضعا بين اياديهم كل ما تابعته من سنين تعود لعام 1984 يوم كتبت كتابا (دراسات في القضايا العربيه) وتطرقت للموضوع وللعلم الاردن اقرب الدول الى اسرائيل ولها اطول حدود ويعنيها الامر واسرائيل والدول التي تدعمها تتناسى مواد الاتفاقيه و أهداف الأمم المتحدة وهو الأمن والسلام.
برأيي أن هذا الاتفاق أولاً وأخيراً هو في إطار سياسة نزع السلاح في العالم و جاء لتخفيف التوتر الذي أشغل عدة أطراف منذ اكتشاف السلاح النووي شأنه شأن أي إتفاقية نزع سلاح تهدف إلى تخفيف التوتر في هذا العالم المضطرب .
كان الأولى الان في وسائل الاعلام العربيه أن يكون التعليق على موضوع عدم إنضمام إسرائيل إلى أهم معاهدة نزع سلاح جماعية ( معاهدة حظر إنتشار السلاح النووي NPT الموّقعة عام 1968 ) ولااستطيع تدوين ماتعرض له العرب من مقالب غربيه ولكن منذ عام 2010 تغير الموقف العربي تدريجيا واقول انه بموجب المعاهده تلتزم الدول المالكة وغير المالكة للسلاح النووي بإلتزامات إما بعدم إقتناء السلاح النووي بالنسبة لغير المالكة أو بعدم إعطاء الخبرة بالنسبة للمالكين ، ولم توقع إسرائيل على هذه المعاهدة ولا على المعاهدات الأخرى إلا معاهدة واحدة عام 1963 وكانت يومها أمام ضغط أمريكي كبير بعد إكتشلف مفاعل ديمونة 1961 من طائرات U2 الأمريكية وأسفر هذا الضغط عن إستقالة رئيس وزراء إسرائيل بن غوريون وذكر القصة كاملةً بار زوهار في كتابه ( النبي المسلّح ) وكان بن غوريون من أنصار هذا الخيار النووي ولقد شكّل الرادع النووي الإسرائيلي للعرب أحد العناصر البالغة الأهمية وإعتقد البعض مثل كسنجر أن إسرائيل بحاجة إلى رادع نووي وليس إلى أرض محتلة.
جاء رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد اشكول بعد بن غوريون وعبّد الطريق مع الرئيس الأمريكي الجديد جونسون الذي جاء وراء كنيدي وتوصلا إلى ما عرف بالصفقة الذرية لا .تنازلت إسرائيل بموجبها عن الخيارات النووية على أن تأخذ من الولايات المتحده تفوّقاً في السلاح التقليدي على العرب ، وحصلت إسرائيل على ضمانات أمريكية بذلك وبدأ الأمريكيون يفتشون على السلاح النووي الإسرائيلي وكانت تقاريرهم لا تخلو من الشك أن إسرائيل تملك سلاحاً نووياً الذي لم تحتاجه إسرائيل يوماً ما ولكنه خيار يتبلوّر أمامها أحياناً، ولغاية الأن حاربت إسرائيل جميع حروبها بالسلاح التقليدي الذي تتفوق به على جميع الدول العربية .
ولقد إنتهحت إسرائيل دبلوماسية معينة تريد من ورائها أن يظل الغموض والشك مسيطرين على أفكار خصومها ويزيد هذا الشك عدم إنضمامها إلى المعاهدة التي وقعت عليها كل الدول العربية ومنها المملكة العربية السعودية عام 1990م ووقع ورائها الدول التي ذكرتها .
إن إنضمام إسرائيل إلى معاهدة حظر إنتشار السلاح النووي يُخضع إسرائيل إلى تفتيش وكالة الطاقة الذرية والتي تفعّل دورها كثيراً بعد إتفاق إيران مع مجموعه خمسة زائد واحد
إن وكالة الطاقة الذرية إنبثقت عن معاهدة حظر إنتشار السلاح النووي وهي التي تقوم بالتفتيش على الدول المالكة وغير المالكة ، وهذا في نظري هو أولوية .
إن بالإمكان جعل منطقة الشرق الأوسط مثل منطقة أمريكا اللاتينية وهي خالية من السلاح النووي ، وبالنسبة للمنطقة العربية من الممكن أن تكون كذلك ولكن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لم توقع على المعاهدة.
وحول اولويات الخطاب الاعلامي العربي في هذه المرحلة يلاحظ ان هناك بعض ردود الافعال لم تتطرق اطلاقا الى موضوع توقيع او عدم توقيع اسرائيل على معاهدة NPT وشطح البعض في معرض حديثه الى ان اسرائيل لا تعترف ان عندها سلاح نووي وهذا خطأ لأن إسرائيل تلجأ إلى دبلوماسية الغموض وهي لا تعترف أن عندها أو ليس عندها سلاحاً نووياً والمفروض دعوة اسرائيل للإنضمام إلى المعاهدة في الفترة التي تم فيها نزع السلاح الكيماوي في سوريا وتوصلت ايران الى اتفاقية مع مجموعة خمسة زائد واحد لتنظيم تخصيب اليورانيوم ، وأصبح من المقرر أن تفتش وكالة الطاقة الذرية يومياً على المفاعلات النووية الإيرانية.
وإن اسرائيل تلجأ لدبلوماسية الغموض فهي لا تعترف ان عندها سلاح نووي أو ليس عندها سلاح نووي ، وأن لجوئها إلى دبلوماسية الغموض شيء مقصود بحد ذاته ، وفي مرة قال شمعون بيريز أن سياسة إسرائيل النووية مثل القمر الإصطناعي في السماء تراه من بعيد ولكن لا يلامس الأرض.
اذا نحن لم نحصد ثمار السلام في المنطقة وعاد سباق التسلح من جديد -حتى في السلاح التقليدي- فان في هذا خطورة .. في عام 1955 حاول العرب كسر حظر توريد السلاح اليهم واستوردوا عن طريق الاتحاد السوفييتي بما عرف بصفقة السلاح التشيكية والان يسعى العراق للتسلح من روسيا وهذا الامر بحث في اخر زيارة لمسؤؤل عراقي كبير في موسكو قبل ثلاثة ايام وهذا الموضوع التسلح هو ما ادى الى تفاقم الوضع في عام 1956 في العدوان الثلاثي على مصر بعد تأميم قناة السويس إذ أن حوافز إسرائيل بالذات في الإشتراك في هذا العدوان مع بريطانيا وفرنسا هو ضرب مصر بعد هذه الصفقة .
ولا ننسى الكارثة التي حلت في العراق التي جاءت بعد اتهامه بانه يملك اسلحة دمار شامل وما زال العراق يدفع الثمن حتى الآن على الرغم من عدم دقة المعلومات حول ذلك ، وفي هذا العام 2013 ولولا الدبلوماسية الروسية لدفعت دولة عربية ثانية مهمة في المنطقة الثمن وهي سوريا التي كان صمام الامان بالنسبة لها الدبلوماسية الروسية التي رتبت صفقة نزع السلاح الكيماوي مع دول البركس .
والخلاصة ان ..قضيتنا استراتيجية وتاريخية تتعلق بالمنطقة كلها وليس دولة وحدها - لننظر الى منطقة اميركا اللاتينية التي تخلو جغرافيا من اسلحة دمار شامل باتفاقيات بينها-وهذا ما يجب ان يشغل بال صانع القرار العربي والمفكرين والكتّاب بدلا من ان تكون ردود افعال على ما حدث .. فالامن القومي العربي ما زال في خطر ولا بد من ان نكون على مستوى الاحداث وان يتصدى لهذا الموضوع الخبراء وارباب العلم وليس للعواطف مكان.
هل السؤال ان العالم يتجه نحو الدبلوماسية اكثر من الحرب : نعم بدليل وقوع اشياء مهمة خلال العامين الماضيين :
1- موافقة سوريا على الانضمام لمعاهدة حظر انتشار السلاح الكيماوي.
2- اتفاق مجموعة الخمس زائد واحد مع ايران لتنظيم تخصيب اليورانيوم .
3- توصل اميركا الى اتفاق مع مشايخ افغانستان على اساس تنظيم عمل الانسحاب الاميركي وتسهيل الوصول الى اتفاق مع طالبان.
وهناك توجه لحل سياسي في النزاعات في اليمن واوكرنيا وحتى في سوريا وليس امام الفلسطيني من خيار الا دبلوماسيه قويه جدا يقودها عمالقه واساتذه و نعود الى الاسئله وهي مستمرة كيف يتصرف العرب والاردن في ضوء هذه المعطيات الجديدة ؟ الجواب هو التركيز على الاولويات الاستراتيجية وفي اطار القانون الدولي دائما وان تعمل الدبلوماسية الاردنية والعربيه على ما تم الاتفاق عليه دوليا وجعل الطرق معبدة مع كل مراكز القوى في العالم وان لا نخسر علاقتنا مع بعض الدول بشكل مجاني وأن يكون اهتمامنا بالقضايا الاستراتيجية وعدم الانشغال بقضايا تكتيكية .ونحتاج الى وجود خطة استراتيجية في السياسة الخارجية فقد تبين ان من ينجح في تحقيق اهدافه هم من لديهم تخطيط استراتيجي .. ولا بد أن تكون لدينا استراتيجية المبادرة وان لا تكون سياستنا ردود أفعال فالعالم مسرح كبير ويجب أن يكون لنا دورٌ إيجابي في هذا المسرح كعرب بشكل عام أو مجموعات دول عربية بشكل خاص وهذا الدور لا يمنح لنا . يجب أن نحصل عليه .
*
الدكتور سعد ابو دية استاذ العلوم السياسية الجامعة الإردنية