مسألة بحاجة الى حسم .. !!
حسين الرواشدة
22-05-2015 03:35 AM
ثمة قضايا كثيرة وكبيرة ما تزال في دائرة الالتباس ولم تحسم بعد، من أهمها قضية الدين والمجتمع، او -ان شئت- الدين وشؤون الناس السياسية والاجتماعية والاقتصادية، اذ ان الاشتباك بين دور الدين او علمائه وخطبائه على المنابر وفي المنتديات والمساجد وبين دور السياسي او المفكر او الحزبي ما يزال مجالا مفتوحا للصدام تارة.. ولمحاولات التشويه والاقصاء تارة اخرى.
والسؤال: هل ثمة وظيفة محددة للدين في الحياة.. وهل من واجب علمائه ان يلتزموا بمهمة الوعظ والارشاد والتوجيه الديني - في اطار العبادات والمعاملات- فقط. دون ان يتجاوزها الى مناقشة القضايا الساخنة والطارئة التي تتعلق بالدنيا وما يحدث فيها من مستجدات ومتغيرات.. ثم ما هو دور المسجد والمنبر والخطيب، وهل يجوز ان تتحول المنابر الى منصات للتعليق السياسي او الفتاوى السياسية او المناقشات الدنيوية، ام ان المنابر مخصصة للوعظ الديني فقط. بحجة ان المصلين يأتون لاداء الفريضة -فقط- ولا ينتظرون من الامام اكثر من الحديث عن شؤون العبادة ومسائل الحرام والحلال؟
واذا كان لا خلاف -بالطبع- على عدم صحة او -حتى- استحالة فصل الدين عن الدنيا في الاسلام، وعلى ضرورة الاقرار برفض الكهنوتية التي تجعل من رجال الدين محل قداسة، على اعتبار ان الحكم في الاسلام حكم مدني لا ديني مطلق، واذا كان لا خلاف - ايضا- على ان دور المسجد -كمؤسسة للعبادة والعمل - يتجاوز مسألة الارشاد والوعظ الى صميم الفعل الدنيوي الذي ينسجم مع ما يريده المجتمع وما يشغله من قضايا عامة، فإن فك ما أشرنا اليه من التباس بين الدين والحياة يمكن ان يفهم من خلال اكثر من وسيلة، منها ترشيد الخطاب الديني وفكّه من قيوده المثالية المطلقة ليتناسب مع متطلبات الواقع ومصالح الناس، ثم تجديد الفقه والفكر الاسلامي -كمضمون لهذا الخطاب- وإنزاله بنصوصه واجتهاداته على حياة الناس لكي يكتشفها ويتعهدها بالعلاج، اضافة الى إناطة مهمة التبليغ هذه بعلماء ورجال أكفياء قادرين على ايصاله واقناع الناس به دون تهويل او اكراه.
اما على الجانب الآخر فيتطلب الأمر الاعتراف بدور الدين في حياة المجتمع، وأهمية الوازع الديني في تنميته وتغييره وحراسة مكتسباته، كما يتطلب ازالة سوء الفهم التاريخي بين العالم الديني او المؤسسة الدينية وبين المؤسسة الدنيوية او السياسية التي تخشى من هيمنة “الدين” وتحاول اقصاءه عن اطار سيادتها بأكثر من حجة ولأكثر من سبب.
وتبقى المشكلة الكبرى في ميدان المربع الديني، حيث يمكن لعشرات القيادات التي تنتسب للاسلام ان تجد في هذا الحراك المسموح به مجالا للاحتكار تارة، او لاقصاء غيرها من التيارات الاخرى والتوقيع باسم اللّه تعالى نيابة عن الناس.. وكأنها هي الاسلام، وهنا يقع الالتباس الأخطر بين الداخل الديني الذي يريد ان يستحوذ على الدنيا والآخرة في آن معا.. وأحسب ان اي حوار او مصالحة بين الديني والسياسي لا بد ان يسبقها حوار أعمق بين هذه التيارات الاسلامية ذاتها، للاتفاق على منهجية ووظيفة محددة تعبر عن الاسلام اولا.. وعن الوطن او الامة التي تنتسب اليها ثانيا.. اذ ان حسم الاختلاف بين دعاة فصل الدين عن الحياة .. او الدنيا عن الآخرة وبين اصحاب اعادة الارتباط الأبدي بينهما، يحتاج الى فصل قاطع في مسألة: الاسلام المختلف عليه اصلا.. وفي مسألة رؤية الاسلام لقضايا الناس.. وما ينتجه من فقه وفكر لمواجهة مشكلاتهم.. وهذا ما لم يتحقق -للاسف- حتى الآن. الدستور