facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




عرب ولكن بلا هوية حضاريه


شحاده أبو بقر
21-05-2015 09:33 PM

للتقدم كمفهوم إنساني شكلان ، ألاول مادي بحت تنحسر علاقته بالمنظومية القيمية الى أبعد حد ، والثاني معنوي يفضي طبيعيا إلى تقدم مادي ملموس ضالته إسعاد البشر ، والسبب هو تشبثه التام بتلك المنظومة في كل الظروف والأحوال ، في حين يتمترس التقدم المادي عند المادة دون القيم ، والسبب هو إنفصاله عن بوصلة التقوى ، بمعنى ان الغاية المادية تبرر الوسيلة حتى لو كان فيها شقاء بشر ، أو سعادة بشر على حساب بشر آخرين .

عربيا ، يتحقق التقدم المادي الصرف كل يوم ، مالا ومقدرات ومباني وشبكات طرق وإتصالات ومدارس وجامعات ومصانع ومؤسسات ، الى غير ذلك من أشكال التقدم المادي المذهل والمتسارع ، لكنه تقدم يفرز وفي كل لحظه ، تراجعا كبيرا في سيادة المنظومة القيمية التي نشأ بعضها مع العربي فور نشوئه ، ومنها الكرم والفروسية والنخوة والشهامة وغيرها ، وبعضها الآخر ، جسدها الإسلام في الذات العربية ، ومنها العدل والفضيلة والمساواة والصدق والصفح والتعاون والتكافل ، إلى غير ذلك من القيم الدينية العظمى .

مصيبة العرب لو جاز التعبير ، هي في إنجرارهم خلف الحضارة المادية الغربية بإندفاع شديد ، وعلى حساب حضارتهم الأم ، مستمرئين الراحة وحب القعود ، ما دام غيرهم يتعب ويفكر ويبدع في توفير سبل الرفاه والعيش الرغيد لهم مقابل المال ، فالاجنبي يبحث عن المال ، والعربي يبحث عن تكنولوجيا جاهزه ، وعن مأكل وملبس ومسكن وسيارة وسلاح وكل متطلبات العصر جاهزة دون عناء يذكر ، ولهذا غدت اسواق العرب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية وسواها ، مرتعا خصبا لمخرجات عقول الغرب ومنتجاته ، وغدت خزائن الغرب في المقابل مخزنا لكل ما جاد به الله على العرب من خيرات واموال طائله .

مصيبة العرب تلك ، أثمرت مصائب لا تحصى ولا تعد ، فهم برغم ما لديهم من وسائل ً التقدم ً الغربي الماديه ، متخلفون وإرهابيون في نظر الدنيا ، ولا حول لهم في التعامل مع اي مستجد في حياتهم ، إلا من خلال الاجنبي وعونه وتدخله الذي لا يخدم بالضرورة سواه ، وهذا نظريا حقه ، والطامة الكبرى ، اننا ننشد عونهم وتدخلهم لحل قضايانا ، حتى ونحن نسبهم ونشتمهم لا بل ونكرههم ، وفي ذلك مفارقة عجيبة لا تفسير لها ، سوى أننا عاجزون مشللولون فاقدون بالمجمل لكل قيمة جليلة في هذا الوجود ، ومن هنا بتنا نستمطر عطف من نكره ، وعطف وتدخل من نعتقد بانه سبب مصائبنا .

الغرب له نمط حياته الخاص به ، وعنوانه الديمقراطية التي إختارها نهج حياة إجتماعية وسياسية وأسلوب حكم وتداول للسلطة وهو بها سعيد ، واحدث مخرجاتها مثلا ، رئيس وزراء دولة يتزوج صديقه ، وعلى نحو يثير أشمئزازنا نحن العرب عندما نقرأ ونسمع أخبارا من هكذا نسق ، وفي المقابل ، نحن بلا هوية ، ومجرد مقلدين لا أكثر ، منقطعين عن حضارة أجدادنا ، مترفعين مجازا عن نمط حياة عربية كان يجب ان يتطور عربيا ، تماما كشعوب أخرى على هذا الكوكب ، منها اليابان والهند وباكستان وكوريا الجنوبية والصين مثلا ، لكننا بلا هوية محدده ، فنحن كل شئ ، إلا ان نكون عربا .

نعم ، الغرب إختار الديمقراطية للتخلص مما أسماه في حينه ، هيمنة الكنيسة على حياة الشعوب ، ونحن حاول بعضنا لبس لبوس الديمقراطية ولكن على طريقتنا العربية التي جعلت منها ، وبالا على معظمنا إن لم نكن كلنا ، فهي في فهمنا تعني حرية كل منا ليفعل ما يشاء ساعة يشاء وكيفما شاء ، وليذهب غيره الى الجحيم ، وبذلك صارت نصف ديمقراطيه ، أي كمن تعلم كيف يطير وطار ، دون ان يتعلم كيف يهبط ، فقد أهملنا الشورى التي طبعت حياة اهلنا العرب الاوائل وإعتبرناها من الماضي ، ولم نفلح في مقاربة الديمقراطية على أصولها الحقه .

في ظل هكذا واقع ، لسان حالنا يقول ، أننا كمن غادر بلده عازما السفر الى بلد آخر ، تجاوز نقطة الحدود في بلده الى المنطقة الحرام الفاصلة بين بلده والبلد والآخر ، ثم توقف هناك وألى الابد ، فلا هو في عرف السفر غادر بلاده ، ولا هو وصل البلد الآخر ، أي صار في موقع خارج نطاق القانون والنظام العام لأي بلد ، وهنا تبلدت معاناته ، ولا حول ولا قوة ألا بالله .

أقسم بأن لدينا حضارة ليس كمثلها حضارة على وجه الارض ، لكنها حضارة معطلة تماما بعد إذ تخلى عنها أتباعها ، هي حضارة عظيمة في بلاد عظيمة ، ولو لم تكن كذلك ، لما تكالبت عليها الأمم ، وبالذات القوى الكبرى التى تجيد صيد الفرص ، والتي جعلت منها في ظل هذا التكالب ، فرجة للكوكب كله ، ومسك الختام القول ، أليست ارضنا وبلادنا أرض الرسالات ومهوى أفئدة سكان الكوكب جميعا ومصدر الطاقة للبشرية كلها ، وبإرادة خالق الكون جل في علاه ، فهل يليق بها وبنا إذا ، أن تكون ارض القتل والدم والتشرد والتخلف والضياع ، وان نكون نحن معاول الهدم والقتل والدم والتشرد والتخلف وكل ما هو ردئ في هذا الوجود ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وهو من وراء القصد .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :