مشروع قانون اللامركزية والتفسير النشط للمادة 121 من الدستور
المحامي د. صدام ابو عزام
21-05-2015 12:05 PM
ظل مشروع قانون اللامركزية خلال الفترة الماضية محل جدل ونقاش حول اتفاقه مع نص المادة " 121" من الدستور الاردني، والتي تنص على " الشؤون البلدية والمجالس المحلية تديرها مجالس بلدية أو محلية وفاقا لقوانين خاصة". وحسب المحكمة الدستورية في إجابتها على طلب التفسير المرسل من مجلس النواب، أن المادة " 121" تستغرق نهج اللامركزية كأحد أشكال الادارة المحلية وفاقاً لقانون خاص ينظم هذه المسألة.
وفي ذلك نجد أن الطبيعة التشريعية للنصوص الدستورية تقتضي أن تبقى قيد التطوير والإعمال والقدرة على إحتواء كافة الوقائع التي تطرأ وتنشأ في المجتمع، وعليه تباينت الصيغ التشريعية للنصوص الدستورية عن باقي الصيغ المتعلقة بالهرم التشريعي، ولعل صيغ العموم والتركيز على الاطر العامة والقواعد المستقرة، غدت هي السمة البارزة في الدساتير المختصرة، كما ينطبق هذا الوصف نوعا ما على الدساتير الطويلة.
أحد أهم القواعد التي تبقي النصوص الدستورية على قيد الحياة وتخرجها من الجمود ما عبر عنه " بالتفسير النشط للنصوص الدستورية" مفاد ذلك أن يتم الانطلاق من قاعدة كلية تأخذ بعين الاعتبار متطلبات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والادارية وقت نشوء طلب التفسير، وأن لا يتم التقييد بالقواعد التي كانت سائدة عند صياغة النصوص، بإعتبار التطور على كافة الصعد ينعكس بالضرورة على روح وجوهر القوانين.
ومن القواعد التي تبقي النصوص الدستورية على قيد الحياة تتنفس الهواء وتدفق الدماء في مجاريها هو الاخذ بالتفسير الأنسب والتفسير الأقرب للحقوق والحريات، وعليه، وبما أن الدولة الاردنية ومنذ عام 2010 إتخذت من الاصلاح خط سير لها ركيزته توسيع قاعدة المشاركة الشعبية، وراحت بإتجاه تطوير التشريعات والسياسات والممارسات بما يلبي ويخدم هذا التوجه، نكون بأمس الحاجة الى تكريس ومراكمة ممارسات وسياسات وتشريعات تخدم هذا التوجه.
ويقع هذا ضمن موجبات التفسير والقواعد الكلية التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند النظر الى نصوص الدستور. ويكون الأخذ بالتفسير لصالح الحقوق والحريات التي قوامها توسيع قاعدة المشاركة الشعبية هو الأنسب والاقرب للصالح العام الذي يتفق مع جوهر وروح النصوص الدستورية، حتى لا تصاب بتكلس وتصلب المعنى والفحوى على حساب حرفية النص.
ولعل إعمال الأثر النافع والصالح للحقوق والحريات يغدو واجب التطبيق في مثل هذه الحالات، بل وفي بعض الانظمة القضائية المقارنة والتي منحت القضاء صلاحية البت في الدفع الدستوري الفرعي والاصلي أجازت للمحكمة الأعلى درجة أن تبسط رقابتها على منطلقات وموجبات التفسير الاكثر نفعاً للحقوق والحريات.
المادة " 121" من الدستور الاردني تضمنت عبارات ومفاهيم عامة حول عملية إدراة الشؤون البلدية والمجالس المحلية من قبل مجالس تشكل لهذه الغاية، ولم يحدد الشرع الدستوري شكلاً لآلية الادارة بل جعل المشرع حالة التخيير في شكل الادارة معطوفاً بحرف " أو" مفتوحاً بين مجالس بلدية أو محلية والضابط الموضوعي أن تتم تلك العملية بموجب قوانين تصدر لهذه الغاية.
وعليه وحيث تضمن النص الدستوري عبارة تدار الشؤون البلدية من قبل مجالس محلية أو بلدية ولم يحدد المشرع الدستوري شكل تلك المجالس بين مركزية ولا مركزية أو أي شكل أخر، فإنه ترك الباب مفتوحاً للتفسير والاجتهاد، لكن منهج التفسير الذي يحقق غاية النص الدستوري والمصلحة العامة هو التفسير النشط والذي يصب في صالح الحقوق والحريات. وهو في مثل حالتنا نهج اللامركزية بإعتباره يوسع من قعادة المشاركة الشعبية ويدمج الافراد في دائرة اتخاذ القرار ويحقق الاهداف التنموية.
يقوم هذا التفسير على اساس إدراك المفاهيم والاحكام القانونية الواردة في نصوص الدستور في ضوء تطور المجتمعات في كافة ميادين الحياة، بمعنى قراءة متجددة لنصوص الدستور، وعليه تكون أدوات التفسير بالنظر الى السياق الفعلي والواقعي لحظة التفسير المطلوبة، وليس لحظة بناء ووضع النصوص، وهذا ما يضفي على نصوص الدستور الحيوية والديمومة لمواجهة كافة التحديات والاجابة عن كافة التساؤلات، ويعتبر ذلك اساس وجوهر إبقاء باب التفسير والاجتهاد مفتوحاً ومتجدداً بما يخدم ويلبي المصلحة العامة العليا.
المحكمة الدستورية فيما ذهبت اليه تكون رسخت مفهوم " الأثر النشط" لتفسير نصوص الدستور، بما يشكل سابقة قضائية نحو مراكمة ممارسات قضائية إيجابية للتعامل مع نصوص الدستور والتصدي للأسئلة التي تطرأ حيال أي نص يستشكل فهمة أو تفسيره.