السنوات تمر سريعة كالأرانب المسرعة في الحقول، في العام 1961، من القرن الماضي، وفي يوم كانوني شديد البرودة، من نهاية العام نفسه دخل صفنا في كلية الحسين الأستاذ المرحوم خالد الساكت، كان كعادته متبرماً شاكياً، وبعد أن ذرع الصف الثاني ثانوي الأدبي ج أكثر من مرة توقف وأخرج ورقة فولسكاب واحدة من جيب معطفه الأسود الجميل الذي قال لنا انه ذات يوم اشتراه من سوق اليمنية بعمان على الرغم من اناقته الواضحة والدائمة وقال لنا: هذا مقالي سأقرأه لكم قبل أن أرسله الى جريدة المنار ثم بدأ في قراءته بكل تأن وهدوء والصف بكامله يستمع إليه بكل جوارحه.
مقالة أستاذنا الساكت ابن دار العلوم المصرية لم تكن عن طه حسين أو العقاد أو الرافعي وانما كانت عن الكاتب والروائي الأميركي أرنست همنغوي الذي مات منتحراً في مثل هذا الشهر (تموز) من العام 1961 من القرن الماضي، ورغم مرور 54 عاماً على وفاته لم تحتفل به بلاده أميركا في هذه الأيام.
وعلى الرغم من قصر مقالة أستاذنا الساكت إلا أنها كانت في نظري مدرستي الأولى في فن المقالة الصحفية حيث توصل القارئ الى الهدف الذي يريده الكاتب بلغة سهلة وبسيطة.. من مقالة أستاذنا الساكت عرفنا همنغوي هذا الكاتب والروائي الفنان الجموح الذي طالما مجّد عبر كتاباته ورواياته القوة الإنسانية العقلية والنفسية وتحديها لقوى الطبيعة فأبطاله وعلى الدوام يتحملون المصاعب والمشاق دونما شكوى أو ألم.
وعرفنا من أستاذنا الساكت الطقوس الكتابية لهمنغوي والذي كان يكتب مسوداته بقلم الرصاص وانه كان يطبعها على آلته الكاتبة بأصبع واحد وأنه ولج عالم الكتابة والصحافة وهو في سن مبكرة وبالتحديد في السابعة عشرة من عمره.
مقالة الساكت البكائية الأسبوعية في المنار عن همنغواي قرأتها في المنار يوم الثلاثاء وعلى الصفحة الأخيرة وقد كانت بمثابة المفتاح لي لكل كتابات هذا الكاتب الكبير والعديد من الكتاب والشعراء الأميركيين كويلم فولكنر، وتينسي ويليامز، وأرسكين كالدويل ووايتمان وآخرين.
ما تعلمته من أستاذنا الساكت (من مقالته) أن العلم لن يكون أماناً من الفقر والعوز ودليله على ذلك ان الذين يصلون الى أعلى الرتب والرواتب هم في الغالب ليس لديهم شهادة علمية.
Odeha_odeha@yahoo.com