برنامج دليل المستهلك يكشف المستور
زكريا النوايسة
01-05-2008 03:00 AM
أعترف أنني لست شغوفا بمتابعة برامج التلفزيون الاردني في فترة المساء الأولى ، لأنني أعتقد أن ما يقدم فيها كما هو الحال حين تقدم طبقا من ( البوشار ) لرجل تفترسه لحظة جوع قاسية ، فهذه البرامج التي أصطلح على تسميتها بالبرامج الشبابية نحتار في فهم الهدف الذي تريد أن تصل اليه ، وحتى أكون منصفا فأنني لا أنفي وجود عدد ضئيل من البرامج الهادفة متناثرة على أيام الأسبوع في هذه الفترة ، ومنها برنامج دليل المستهلك الذي يقدمه الاعلامي الرصين الأستاذ عبدالوهاب الطراونة ، ولا أخفي إعجابي بالطريقة التي يقدم بها البرنامج والمتابعة والجرأة التي لاحظتها وربما معي كثير من المشاهدين .
إن هذا البرنامج استطاع اختراق الزوايا المعتمة في أقبية الفساد الغذائي والتي طالما اختزنت وخُبئت فيها الكثير من أسرار هذا الفساد ، فقد تمكن هذا البرنامج ومن خلال هذا الطرح من نزع النظارة التقليدية عن عيوننا التي كنا نرى فيها صورة واحدة ونردد بعدها بأن الأمور ( تمام التمام) وليس بالإمكان أحسن مما هو كائن .
أمر مفزع أن تلتقي مع من يتعمد غش الناس في طعامهم ، وهو يعلم نتيجة فساده إما المستشفى أو القبر ، ومع ذلك يدافع بشراسة عن فعلته ويتمادى الى ما هو أكثر من ذلك ،حين يحاول أن يستغبينا بمحاولاته الشيطانية للتغطية على فساده حتى وعين الكاميرا تصور ذلك ، فهل هناك فظاعة أكثر من هذا ؟ عفونة تففز من الأوعية الصدئة وجمعٌ يراقب ويشاهد ويأتي من يقول منهم أن ليس هناك ما يستدعي هذه الضجة ، فإذا كان هذا يحدث أمام الكاميرا وعيون الناس ، فكيف الحال حين يكون مغلفا بليل النوايا الخبيثة ؟ .
أكرر اعجابي بهذا البرنامج الذي لم يبدو لنا مخمليا ، ونأى بنفسه عن حديث المكاتب والمقابلات المرتب لها مسبقا ، والتي نعرف الناتج منها قبل أن يتحدث صاحبها بأن الوضع تحت السيطرة وإن المواطن يمكنه أن يمارس حياته كالمعتاد دون خوف ، بل ذهب هذا البرنامج - كما أسلفت - الى الأقبية التي تخزن فيها هذه القمامة وأزال الستار عنها ،هذه المواد - لولا رحمة الله – كانت ستجد طريقها إلى معدنا في اليوم التالي على أنها منتج وطني فاخر.
إن ما كشفه هذا البرنامج يجعلنا نعود بالذاكرة الى تلك المقولة الشهيرة التي صرح بها وزير صحة أسبق بأن الشعب الأردني يأكل ( الزبالة ) ، فما أبانت عنه وأظهرته عين الكاميرا أفظع من ( الزبالة ) علب صفيح صدئة وأوعية بلاستيكية في غاية القذارة يخزن فيها منتوجات متعددة ( ألبان ، أجبان ، زيتون ، مخلالات ......) والعفونة أكثر من ظاهرة على السطح ، وفي ظروف تخزين – كما ظهر – سيئة للغاية .
إن هذا الفساد وأهله ليسوا بعيدين عنا ، فنحن نجالسهم كل يوم ،وربما هم أكثر من يتحدث عن الفضائل واجتثاث جذور الفساد ، وأقبيتهم ليست تحت الأرض،فهي في محلات تحتل مواقع مميزة على شوارعنا الرئيسية ، ويضعون مئات الاعلانات عن جودة ما يقدمونه ، فهم أناس يمارسون علينا لعبة الاخلاق الحميدة ، الى أن يتم اصطيادنا في علبة جبنة تزكم الأنفاس ، أو عبوة زيتون قد يكون مر عليها سنوات وهي صامدة في موقعها، والسؤال كم أكل المواطن الأردني من هذه القمامة؟ ولو تجرأنا قليلا وسألنا سؤالا بريئا ، هل ارتفاع نسبة الإصابة بمرض السرطان أتت من فراغ؟.
إن استشراء الفساد على هذا النحو يقودنا الى حقيقة لا جدال فيها أن الرقابة الغذائية إما أنها تمر بمرحلة أضعف الايمان ، أو أنها مجرد ذكريات من زمن ولى . فالمؤشرات والمشاهدات التي تطالعنا كل يوم تأكد هذا الخلل وتدعونا الى ( دب الصوت بالعالي) بأن قبضة الفساد القوية أوشكت أن تطيح بنا ، وأن المفسدين استمرأوا دمنا ، ورأوا فينا صيدا ثمينا وسهلا في ظل غياب رقابة غذائية فاعلة، فهل من مجيب ؟.