وَأْد الصحافة الورقية .. لمصلحة من ؟!
د.زهير أبو فارس
19-05-2015 03:16 PM
لا تزال أزمة الصحافة الورقية قي بلادنا تراوح مكانها، بل هي مرشحة للتفاقم، كوننا تركناها وشأنها، ولم يكن تحركنا تجاهها يتعدى التصريحات والمجاملات، وتسجيل المواقف التاريخية، أو لأغراض أخرى، والتي في مجملها لم تخرج عن "رفع العتب".
إن متابعة هذا القطاع العريق من منظار المراقب المحايد المتفرج على عملية الانهيار لمجرد التوثيق، الذي يعقبه النعي والسير في "الجنازة"، ومن ثم التباكي على الأزمنة الجميلة التي عاشتها صحافتنا، ليس الخيار الصحيح الذي يتناسب مع طبيعة العلاقة التي يجب أن تكون مع اعلامنا الوطني. مع ضرورة الاعتراف بأن العديد من سياسات وممارسات الحكومات المتعاقبة ساهمت الى حدٍ كبير في تراكم المشاكل والاختلالات التي أوصلتنا الى الأزمة.
فصحافتنا ولدت من رحم الوطن، وكبرت معه، وكانت الشريك الأصيل في انجازاته، الساهر على مصالحه، الحامل لرسالته، والمبشر بتقدمه والحياة الأفضل لأبنائه وبناته.
والصحافة، وكما هو الاعلام الأردني، كانت ولا تزال في تخوم وخنادق المواجهة، دفاعاً عن الأردن، في أصعب الظروف، وأكثر التحديات شراسة وخطراً، عندما كانت الكلمة الوطنية الصادقة تساوي الرصاصة في قوتها وتأثيرها، بل وأكثر، في العديد من الأحيان. واستطاعت، وبفضل بسالة واخلاص القائمين عليها، الانتصار لشعبها ووطنها ونظامها السياسي، وساهمت، وباصرار، في حشد طاقات الجماهير ورص الصفوف، والفوز في معارك التحدي والمواجهات.
إننا نعتقد أن صحافة بهذا التاريخ المشرق، لا يمكن التعامل معها، ومع كبوتها الحالية، الاّ كمشروع استراتيجي وعنصر أساسي لمنظومة الامن الوطني الأردني، إن بلدنا بأمس الحاجة، وفي هذه المرحلة الخطيرة من تاريخه الحديث، الى اعلام وطني قوي يشارك في حمل المسؤولية، وشحذ الهمم، لحماية الوطن، والدفاع عن مصالحه الحيوية العليا.
ومخطئ بحق الوطن من يعتقد أن انتهاج سياسة الانتظار واللامبالاة تجاه أزمة الصحافة، سوف يؤدي الى تفعيل آليات "السوق الحر"،و "وصفات النصائح" التي تأتي من الخارج!
فالوطن في مواجهة حقيقية مع الأخطار من كل صوب، والرهان معقود على الاعلام الملتزم بأداء رسالة الحشد، والتنوير والاصلاح، وتعزيز قيم الحرية، والمواطنة، والعدالة، والانتماء، والتضحية، والمشاركة في البناء، واتخاذ القرار وغيرها. ويقيناً أن الخروج ببلدنا الى بر الأمان، وتجاوز هذه المرحلة الحرجة الزاخرة بهذا الكم الهائل من التحديات، لن يكون ممكناً بدون اعلام وطني حر ومهني ملتزم بقضايا شعبه، يعي رسالته، وفي الوقت ذاته، يُبْقي للصحافة الورقية، ذات التاريخ العريق الممتد لأكثر من نصف قرن، الدور المحوري في حماية الاردن كينونة وهوية.
نحن حقاً بحاجة الى اعادة تقييم تجربتنا مع الاعلام، واجراء التعديلات اللازمة على فلسفة علاقته مع الدولة، والتي شهدت تغيّرات جذرية منذ عقد التسعينات من القرن الماضي وحتى الآن.
فالنمط الغربي للمعادلة مختلف،ولا يمكن اسقاطه تماماً على الواقع الأردني بظروفه وتداعياته الداخلية والخارجية. كما أننا لا يمكن أن نتخيل مشهدنا في غياب الصحافة(!).
مما تقدم يمكن القول، بأن مصلحتنا جميعاً تتمثل في دعم صحافتنا الورقية، ورعايتها، وتوفير عناصر النجاح لها، للاضطلاع بالمهمات الجسام الملقاة على عاتقها، وبخاصة في هذه المرحلة الاستثنائية التي تعيشها بلادنا والمنطقة. فالاعلام الساعة عنصر أصيل من منظومة الأمن الوطني والقومي، ولن يكون من الحكمة استمرار التعامل مع الأزمة بسلبية ولامبالاة. فالقضية أكبر وأخطر من "فخار يكسّر بعضه"، ولن يكسب الوطن ابداً من وأْد الصحافة (!). الدستور