في مقالين سابقين، حاولت إثارة نقاش موضوعي مع معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأستاذ الدكتور لبيب الخضرا حول رؤيته لتصحيح مسار العلاقة بين وزارته والجامعات الحكومية والخاصة، مشيدا ومرحبا بكل توجه من شأنه معالجة أزمة التعليم الجامعي الناجمة في أحد أسبابها عن حالة عدم الاستقرار في التشريعات والقوانين والأنظمة، وغياب إطار متفق عليه بين جميع أطراف العملية الأكاديمية لضمان حسن الأداء، والارتقاء بمخرجات التعليم العالي، ومواءمته مع متطلبات التنمية، وحاجات سوق العمل.
وقلت باختصار أنه لا بد من تصحيح النظر تجاه الوضع القائم، وتغيير الصورة المشوشة في الأذهان عن الجامعات الخاصة، وضرورة التعامل معها من منطلق أنها جامعات وطنية لها مجالس أمناء، ومالكين يتحملون المسؤولية المادية والمعنوية في إنشاء تلك الجامعات، ولكنهم معزولون عن المشاركة في اتخاذ القرار أو إبداء الرأي في قرارات تتعلق بدورهم ومسؤولياتهم والواجبات الملقاة على عاتقهم!
اليوم يبدي الوزير رغبة في الانفتاح على جميع الآراء، وهذا جيد، ويبعث على التفاؤل والأمل، لذلك أعتقد أن مشروع قانون التعليم العالي والبحث العلمي وقانون الجامعات المعروضين للنقاش لتقديمهما إلى مجلس النواب من جديد، وكذلك الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي تشكل فرصة ممتازة لحوار هادف من خلال مؤتمر وطني، أرجو أن يسبق الإجراءات التشريعية.
لقد عرضت الوزارة على رؤساء الجامعات تلك المشروعات لإبداء الرأي حولها، ولا أعرف مدى اهتمامهم بعرض ملاحظاتهم على قانونين تضمنا تعديلات غير جوهرية، في وقت يشعر فيه القطاع الأكاديمي بضرورة رسم سياسة جديدة حتى لو تطلبت تغيير نصوص بأكملها، ذلك أن التعديلات الطفيفة لن تغير من الواقع شيئا، وهو واقع يفرض علينا رسم خارطة جديدة لقطاع التعليم الأساسي والجامعي في ضوء التغيرات التي يشهدها العالم، وثورة المعلومات، ومفاهيم التعليم، ونوعيته، وآلياته، وأهدافه.
وعلى سبيل المثال، هل من المعقول أن تصاغ إستراتيجية التعليم غير متضمنة «الرؤية والرسالة، والأهداف، ولا عناصر القوة، والضعف، والتهديدات، والفرص»؟ وهل تستقيم استراتيجية في عصرنا الحاضر من دون اعتماد التفكير والإدارة الاستراتيجية، والحاكمية، ووضع قواعد للمساءلة والشفافية، وقياس الأداء الأكاديمي من جميع جوانبه؟
لقد قمت من جانبي منذ بضعة أشهر بصفتي رئيس مجلس أمناء جامعة خاصة بإبداء رأيي حول العديد من بنود الإستراتيجية، وقانوني التعليم العالي والجامعات، وذلك على شكل ملاحظات على نص مكتوب تضمنته القوانين السابقة، مع بعض الاقتراحات التي من شأنها لفت الانتباه إلى أهمية الانفتاح على جميع العناصر المرتبطة بكيان الجامعات، ولكنني كنت وما زلت على اليقين أننا بحاجة إلى رؤية جديدة لمسيرة التعليم العالي، فهو اليوم جزء من مشكلات كثيرة وخطيرة، بينما نعرف أن وظيفته الرئيسة هي إيجاد الحلول للمشكلات والأزمات، وفتح الطريق أمام المجتمع وقطاعاته المختلفة كي يتقدم إلى الأمام!
نعم، هذا هو الوقت المناسب جدا لأكبر مشورة حول كيفية النهوض بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي،
يوازيه مشورة وطنية حول التعليم المدرسي، فنحن بلد يعتمد على الإنسان كثروة حقيقية، ونستثمر فيه وليس به كي نحافظ على منجزات بلدنا، ونحقق طموحاته المشروعة في الأمن والتقدم والازدهار، وتلك حقيقة نعرفها ونؤمن بها، وبعد ذلك ليس لدي ما أضيف! الرأي