ما الذي أطاح ب"الباشاوات" الثلاثة ؟
18-05-2015 08:26 PM
عمون – وائل الجرايشة – ليست قضية معان وحدها التي اطاحت ب"الباشاوات" الثلاثة وزير الداخلية حسين المجالي ومدير الامن توفيق الطوالبة ومدير الدرك احمد السويلميين.
في المعلومات التي حصلت عليها عمون فإن جلالة الملك استدعى المسؤولين الثلاثة يوم الاحد وانّبهم بشدة على تعاملهم مع الملفات الامنية داخل المملكة، قبل أن تُتخذ القرارات مع ساعات المساء.
فللقصة حكاية وتراكمات لم يتورع بيان رئاسة الوزراء في تجنب الحديث عنها بل وضّح الأمر تحت بند "ضعف التنسيق الأمني" لكنه لم يشرح التفاصيل وإن كانت معان "شعرة معاوية"، علاوة على الشكاوى التي ارتفعت بسبب التعامل الخشن في أحد السجون أدت الى وفاة شاب بمدينة اربد.
حديث المسؤول الرفيع مساء الأحد لـ عمون عن تراكم الأخطاء كان يقصده بشكل مباشر حيث وقعت سلسلة من الاخطاء خلال الفترة الماضية في الشأن الامني فضلا عن وجود خلافات وصراعات ممتدة ليست مخفية لدى صانعي القرار بين القيادات الامنية وصلت اصداؤها الى الشارع الاردني.
وتتحدث مصادر مطلعة ل عمون عن حصول ملاسنة حادة بين مدير الأمن ومدير الدرك بحضور وزير الداخلية ومسؤول كبير.
وكان اعتداد كل مسؤول بموقعه أدى الى ضعف التنسيق وغيابه أحياناً، مصدرٌ ضرب مثلاً في حديثه الى "عمون" حول عدم احاطة مدير الأمن العام لوزير الداخلية بالوكالة علماً بما يجري من أحداث في جامعة البلقاء الاسبوع الماضي.
أما في معان، فقد انحرف المشهد في وصف ما جرى من أحداث خلال الأيام القليلة الماضية بسبب التعامل الأمني المتخبط وضعف التنسيق فيما بين الأجهزة والتسرع أحياناً، فقد كان مخططاً لعملية نوعية يتم فيها استهداف المطلوبين على نظام "الفخ" أو "المصيدة الأمنية" لإلقاء القبض عليهم لا المواجهة المفتوحة وارسال تعزيزات مؤللة لملاحقة مطلوبين أمنيين.
على وقع هذه التطورات كانت تتداخل الرؤية بين الجهات ذي الصلة، والعملية التي نُفذت في مدينة معان لم تُسفر عن ضبط المطلوبين بل خلفت صوراً لم يعتد عليها الجمهور الاردني واستخدمت مصطلحات "ثقيلة" في البيان الأول الصادر عن وزارة الداخلية في أعقاب المداهمات التي حصلت عبر استخدام كلمتي "الدروع البشرية".
وكانت حياة المشاركين في المداهمات عرضة للخطر بسبب الدخول غير المنطقي للمدينة، في الوقت الذي تشير فيه المعلومات الى إصابة بعض منتسبي الدرك.
ما حدث في المدينة لم يعكس الواقع الحقيقي للأمر حيث اسبغ عليه طابعاً كانت البلاد في غنى عنه، فانتقل موضوع ملاحقة مطلوبين أمنيين إلى أوصاف غير دقيقة في الإعلام الخارجي من خلال الاعتقاد بأن الحملة استهدفت "ارهابيين" أو منتمين لتنظيمات راديكالية لا مطاردة خارجين عن القانون.
ومن الأمور المستجدة في العلاقة بين الجهات الأمنية مطالبة جهاز الأمن التنسيق مع اجهزة اخرى في أعقاب حادثة الاعتداء على مركبة أرزاق تابعة لجهاز سيادي، وهو أمر أثير حوله اللغط الكثير والتهويلات من خلال ربط الحادثة بتنظميات ليس لها جذر حقيقي على الأرض.
مخاوف انتابت البعض بسبب ما كان في ذهن قيادات أمنية ابعد من القبض على مطلوبين أمنيين وهو أمر في غير مكانه وليس من الحصافة التعامل مع المشكلة خارج سياقها الطبيعي (ملاحقة مطلوبين وتقديمهم للعدالة لينالوا عقابهم)، لأن توتير الأجواء غير محمودة عواقبه وربما سيؤزم الموقف خاصة وأن التعامل بمثل هذه الطريقة ليست من طبائع النظام السياسي الاردني.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "عمون" فإن الإجتماع الذي عقده الوزير كان في العاصمة عمّان لا محافظة معان إلا أن بيان وزارة الداخلية الذي صدر يوم السبت لم يشر إلى ذلك، وخال للمتابعين وحتى وسائل الاعلام أن اللقاء عُقد في مدينة معان من خلال استخدام عبارة " ترؤس – الوزير- مساء السبت اجتماعا لمجلس امن محافظة معان" فظن الكثيرون أن الوزير وصل المدينة الجنوبية.
كل هذا الأمر وتفاقم الأزمات وتراكم الأخطاء أدى الى تفاعل صناع قرار ومرجعيات مع الحدث، وغداة عودة الملك من جولته الاوروبية عُقدت اجتماعات ضيقة النطاق اسفرت عن اتخاذ قرار بإزحة القيادات الأمنية المعنية في تلك الاجراءات عن المشهد.
كان لافتاً في إعلان قبول استقالة وزير الداخلية حسين المجالي الحديث عن تخليه عن موقعه بسبب ضعف التنسيق الأمني بين الأجهزة على الرغم من بيانات الوزارة المتوافقة مع ما جرى، بل أن الاجتماع الذي ضم الوزير مع قيادات امنية في المحافظة كان يشير الى تطابق وجهات النظر إزاء ما حدث.
ومما يؤكد تفاجىء الجميع بالقرارات المتخذة حتى ضمن الأطر الحكومية أن اجتماعاً عُقد للجنة المتعلقة بشؤون اللاجئين السوريين يوم السبت برئاسة رئيس الوزراء د. عبد الله النسور وكان ودياً بحضور الثلاث قيادات (وزير الداخلية، مدير الأمن، مدير الدرك) التي كانت مرتاحة ولم تظهر علامات القلق نحو قرارات متعلقة بمواقعها، حتى أن وزير الداخلية حسين المجالي اطلق نكتة سياسية خلال الإجتماع.
ويبدو أن القرارات اتخذت نهار الأحد وبعيد اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد صباحاً والمعتاد أن يلتأم في مثل هذا الموعد، اذ أن الطارىء على سحابة ذلك اليوم هو طلب عقد اجتماع ثانٍ مساء الأحد والذي غاب عنه وزير الداخلية حسين المجالي الذي كانت استقالته قد قُبلت بإرادة ملكية.
وفي الجلسة المسائية صادق مجلس الوزراء على قرار إحالة كل من مدير الأمن العام الفريق اول توفيق الطوالبة ومدير الدرك احمد السويلميين على التقاعد.
بيان رئاسة الوزراء المستند الى رؤية الملك كان واضحاً في التأكيد على ضرورة ترسيخ سيادة القانون، وتعميق مبدأ الامن للجميع، وعدم التهاون مع من تسول له نفسه العبث بالمبادئ التي قامت عليها هذه المملكة المستقرة، أو الاعتداء على ممتلكات الدولة والمواطنين الآمنين.
مبدأ المسؤولية والمحاسبة يعول عليه كثير من المراقبين اذ يجدون أن الآلية التي اتبعت في التعامل مع القيادات الأمنية الثلاث يجب أن تُعمم في تقييم آداء المسؤولين و لا يعيب المسؤول بالمطلق تطبيق مبدأ المحاسبة في حال التقصير وتراكم الاخطاء على مبدأ "الغنم بالغرم"، وبالنهاية فإن من قبل بموقع المسؤولية عليه أن يتحمل نتائج "التكليف لا التشريف" في العمل العام، لكن دون الاساءة الشخصية.