أبعاد الصراع في العراق .. طائفي أم سياسي؟
د. ابراهيم عيسى العبادي
18-05-2015 04:41 PM
يلح منطق الفكر والعقل علينا طرح جملة من الأسئلة والاستيضاحات لتحقيق التحليل الأمني الاستراتيجي حول أبعاد الصراع القائم في العراق: فهل أن عمليات القتل والخراب وانعدام الحياة العامة وتوقف المصالح الاقتصادية والتنموية الذي لحق بالعراق من جراء الصراع الدائر هناك كانت بحجة الطائفية ؟ هل نحن فعلا أمام حرب طائفية هناك ؟ وهل الصراع كما يروج له اعلاميا بأنه صراع بين السنة والشيعة؟
يجد المتتبع لمسارات الصراع القائم في العراق وتحليل أبعاده الأمنية بأنه صراع طائفي! وكأن الأساس في هذا الصراع بين السنة العرب من جهة والشيعة العرب من جهة أخرى، وأن المنافسة السياسية بينهما أدت الى حدود مواجهة الى ما لا نهاية، وهذا ما يمكن أن نلمسه من مجرد مراقبة عمليات القتل الحاصلة في العراق، وأن السبب الطائفي بين هاتين الفئتين المسلمتين هو السبب الحقيقي للصراع، وأن هذه الصراعات في مجملها طائفية بمعناها الضيق وأن كنا لا ننكر دورها في المواجهات القائمة والمحتملة مستقبلا.
لو تتبعنا محطات التاريخ الاسلامي لوجدنا أن المسلمين السنة والشيعة قد عاشوا لفترات طويلة من الأخوة والوئام أكثر بكثير من فترات التناحر والعداء بينهما، ولم يظهر على المنطقة خلال القرن الماضي محاور صراع بين السنة والشيعة، ولم تكن هناك أية نزاعات طائفية بمفهومها الدقيق، وما يؤكد ذلك أن الشيعة العراقيون يميلون الى مشاعرهم الوطنية القومية العربية أكثر من ميلهم الى الأصول المذهبية، وأن كثير من رجال الدين الشيعة في العراق والمناهضون لتوسع المشروع الفارسي القومي الايراني كانوا ولا يزالوا يتعرضون للملاحقة والاضطهاد من قبل مليشيات تابعة للحرس الثوري الايراني في العراق، كما أن الشيعة العراقيين العرب كانوا هم القوة الوطنية الرئيسية للجيش العراقي ابان الحرب مع ايران في فترة الثمانينات وقد قاتل العراقيون الشيعة الى جانب السنة ضد ايران، وكانو يواجهون ايران بوصفهم عربا سنة وشيعة عراقيين، وكانت الحرب قائمة آنذاك على أساس صراع بين القومية العربية والفارسية، وحتى ما قبل نهاية العام 2003 لا تستطيع أن تفرق بين بيوت بغداد ان كانت سنية أو شيعية وكانو يعيشون كعائلة واحدة تجمعهم وطنيتهم وعروبيتهم ودينهم الاسلامي الشامل، كما أنك لا يمكن أن تنظر الى مدينة الأعظمية دون النظر الى مدينة الكاظمية والنسيج الاجتماعي الواحد والجسر الرابط بينهما، ومن الشواهد أيضا أن الأكراد يقدمون أنفسهم بهوية قومية كردية على الرغم من أن مكونهم مجموع من سنة وشيعة كرد، ويواجهون الصراع على أساس مكون قومي كردي واحد.
ولو نظرنا الى العراق في تاريخه الحديث لوجدنا أنه عاش في انسجام تام بكل مكوناته وأن التعايش بين السنة والشيعة في العراق هو الأصل والاستثناء هو الاستثمار الايراني للفصل بين السنة والشيعة العرب هناك، في الوقت التي دفعت فيه الأخطاء السياسية الكثير من أبناء العراق لتبعية القومية الفارسية فكانوا بمثابة هدية مجانية من الأنظمة السياسية العراقية لتحقيق أهداف الثورة الايرانية، الى جانب ضعف التخطيط والدعم العربي الأمني لحركة شيعية عربية وطنية تقف في وجه التمدد الايراني ونفوذها ومحاولة بناء مشروع عربي أمني استراتيجي شامل لتقسيم ايران، واستثمار المكون السني والشيعي العربي وغير العربي داخلها بقصد اضعافها من الداخل وهناك الكثير من العوامل الداخلية في ايران والتي تساعد على تحقيق هذا الهدف الهام، وبالتالي تساعدنا على تذويب الطائفية بين المكون العربي السني والشيعي وما يمكن أن ينتج عن ذلك من آثار مستقبلية.
ان بداية الغلو في الفكر الشيعي جاء مصاحبا لانطلاق " ولاية الفقيه " كأداة سياسية لتصدير الثورة الايرانية والذي صاحبه تطرف الشيعة من الفرس بقصد نشر القومية الفارسية، الامر الذي ساعد ايران من استغلال ودعم الفوضى الخلاقة في العراق من وجود صراع سني وشيعي، وهو ما سيدفع القوى المتنازعة الى البحث عن حلول سياسية لهذا الصراع والامر الذي ربما قريبا سيؤدي الى تقسيم العراق الى أقاليم منفصلة أو شبه مستقلة على أساس الصراع الطائفي المدعوم من ايران.