العمال في مهمة بناء مجمع مقابر
01-05-2008 03:00 AM
أشرف وأنظف الأيدي وأجملها ، وأزكاها حلالا ، وألذّها أجّرا ، هؤلاء هم عمال الوطن ، ولعل الخاصة منهم عمال ليس لأسماءهم الرباعية والعشائرية دور في " مناصبهم البنائية " .. ولكنهم سواعد في مهب الريح .
فأعمالهم في مهب الريح ، وأجورهم في مهب الريح ، وسلامتهم العامة في مهب الريح ، وأمنهم الوظيفي في دوامة الزوبعة ، واستقرارهم العائلي في عين العاصفة .. فهل من ينتصر لهم .لقد جاء في الحديث من صحيح البخاري ورواه ابو هريرة عن الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم { أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، وأعلمه أجره وهو في عمله }.. ولكننا نرى عرقهم يتحول الى معكبات ثلجية جراء تساقطه على برد أجسادهم ، وارتعاد فرائصهم ، و وخوفهم على مستقبل استأثر به أصحاب الأعمال والأشغال والوزارات العتيدة ، وتركوا العمال الذين هم الأساس في العملية الإنتاجية للمطالبات والنقاشات والأحلام القانونية السنوية التي تستمر استمرار الروح في حياة الحكومات قبل ان تنتقل الى الرفيق الشعبي ، في شوارع المناكفات ، وصالونات الإنتقادات ، وصحف التبريرات والتأويلات .
ولأن الثقافة العامة للحكومات البلدية الاردنية تتمحور على أسس غير تراكمية ولا تكاملية ، فإن من ميزاتها ، مناكفة حكومة لاحقة لحكومة سابقة ، وإدارة ظهر الحكومة (اي حكومة) الخلف ،لكل الوعود التي تقطعها الحكومة السلف ، وكل حكومة تأتي ترهق ضميرها ، بوعود لا تسعفها أيامها المعدودة لتحقيقها ، فترحل دون الوفاء بوعد قطعته ، ولا نصر لمواطن وعدته ، وعليه فإن الواجب الشرعي يلزم كل حكومة ترحل أن تكفّر عن سيئاتها ، وأن تصوم دهرا كاملا ، وأن تقضي على نصف الثروة الحيوانية في وطني ، فدية لإطعام الف الف فقير ، والف الف مسكين ، والف الف محتاج معوز ، والف الف رب عائلة مستورة ، وأن تدعو الى مؤتمر الدعاء من أجل المغفرة ، لنصف ألف الف من الوزراء السابقين ورؤسائهم والأغنياء ورجال المال والاعمال والحيتان ، ثم يبتهلوا الى الله تعالى أن ينزل شآبيب رحمته عليهم ، ولا ضير من تحكيم آية الملاعنة .
في عيدهم .. في يوم راحتهم الذي لم يعرفوا لها طعما منذ أدمنوا التعب واللهث وراء لقمة الخبز ، نسجل آيات الإكبار والاعتزاز والفخار ، لتلك السواعد السمر ، والجباه الغرّ ، من العمال ، عاملون وعاملات ، يصنعون لنا حياة الرفاهية بيمينهم ، وشمالهم تمسح دموع جباههم ، وقطرات حسرة من عيونهم ، ونرجو لهم دوام الصحة والعافية ، ونتمنى عليهم أن لا يتوقفوا يوما ، وان لا ينكصوا عن واجبهم الوطني ، فالوطن ليس لقمة تؤكل ، ولا دينار يصرف ، ولا كرسي يتمدد عليه " كرش " أبله .. بل هو مسيرة الرايات ، فوج يسلمها لفوج ، وأموات يسلموها لأحياء ، وكما تعلمنا في أول درس بانت اخيرا مدى صدقية " زرعوا فأكلنا ، ونزرع فيأكلون " فلننقلب على من يحول واقعنا الى فراغ ، ومصيرنا الى قشة ، وترابنا الى حصيرة تطوى ، ولنعيد الحياة الى تلك الحكمة المدرسية لنعود لنزرع حتى تأكل أجيالنا القادمة وتدعوا لنا ، لا ان تدعوا علينا .. وأن يبقى الوطن كما أراده القائد المعزز .
هؤلاء العمال ، هم ذوو شأن عظيم .. فبهم سوف يصبح الحلم حقيقة ، فمن لمجمع الدوائر الضخم الذي سيصبح معلما يضاهي مدينة " بترا " ، إن لم يكن العمال محل اهتمامنا ، وإلا فلتتضمن اتفاقية المشروع ، استيراد العمال من شرق البرتقالة الأرضية ، أو توفير أكبر كم من " الروبوتات " أو الرجال الآليون لينفذوا ذلك المشروع ، ومشاريع البناء والنظافة والإنتاج في شتى مواقع العمل في البلد .. قبل ان يجتهد العمال في بناء مجمع المقابر لآمالنا واحلامنا وأشياءنا التي لا يفهمها من غرق في قعر اللذة .
وفي الاحتفال بيوم العمال هذا ، لا بد لنا ان نتذكر حقوقهم ، التي إنُشئت أول منظمة تعنى بالعمل والعمال لتكون مظلة تحمي مصالحهم وهم الأهم في مسيرة التنمية العالمية ، فقد تأسست منظمة العمل الدولية في سويسرا عام 1919 نتيجة للجنون الذي أصاب العالم إثر الحرب الكونية الأولى وتأثر العالم بها على مدى سنين بعدها ، وجاء تأسيسها على قاعدة دستورية أساسية وهي أن السلام العادل والدائم لا يمكن أن يتحقق ألا إذا استند على العدالة الاجتماعية ،، وهنا يلزمنا الضحك بالقهقهة ، فأين من عيني تلك العدالة ، فردوس مفقود ، في واقع موجود ، مليء بالازدراء والجحود .
كما إن الاعلان الخامس لأهداف منظمة العمل العربي تنص على تحسين ظروف وشروط العمل فى الدول الأعضاء بما يحقق :
- تأمين وسائل السلامة والصحة المهنية وضمان بيئة عمل ملائمة .
- توسيع قاعدة التأمينات الاجتماعية لتشمل الفئات العمالية فى مختلف الأنشطة الاقتصادية وشمول كافة فروع التأمينات للوصول إلى الضمان الاجتماعى الشامل .
- توفير الخدمات الاجتماعية للعمال وتحسين مستواها .
- تقنين الحد الأدنى للأجور وضمان أجر للعامل يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية .
- تنمية علاقات العمل .
- توفير الحماية اللازمة للمرأة العاملة والأحداث .
وهنا لا بد لنا من تذكرة لأصحاب القرار ، لنوصيهم خيرا بالعمال ، واليوم قد ارتفع صوت عمال المياومة ، فمن لهم بعد الله إلا جلالة الملك عبد الله الثاني نصير الضعفاء والفقراء ، فلتلفت لهم الحكومة التي تشيح بوجهها عنا ، فنحن لسنا بعيرا أجربا ، ولا وجه مشوه أكلته النار ، فيسيئكم منظر ما ترون ، ولسنا وحوش تتربص بالانقضاض عليكم على حين غره ، نحن أقرب الى قلوبكم من شغافها ، لأن الوطن هو قلبنا ، ألا يكفيكم إننا نفكر فيكم الليل والنهار ، وانتم تتحاشوننا في النهار وتقررون عنا في الليل ، ونحن نجري وراءكم خوفا وطمعا ، وانتم تجرون أمامنا هربا وتنصلا ، إنها أمانة أشفقن منها السموات والأرض ، وحملها الإنسان فهو ظلوم جهول ، وهي اليوم أمانة ، ويوم الدين خزي وندامة .
فكل عام والسواعد بخير ، والوطن بألف الف خير ، وعمال الوطن بخير ، أردنيون و" وقدعان " ، إن لهم حق علينا ، قبلة حرى ، على جباههم الغرّ ، وأكفهم السمّر .
royal430@hotmail.com