لم يشهد الأردن منذ عقود طويلة أوضاعا إقليمية صعبة وخطيرة وملتبسة ومعقده ، تلقي بظلالها الحارة وتبعاتها المرهقة على كاهله كل يوم ، كما هو حاله اليوم ، ويخدع نفسه قبل غيره ، من لا يقر بحقيقة أن ألاردن في حالة حرب مضنية منذ تفجر ما يسمى بالربيع العربي وحتى اللحظه ، ويخدع نفسه أكثر قبل غيره ، من لا يرى رأي العين ، أن الاردن لن يعود بمقدوره تحمل المزيد من أعباء تلك الاوضاع الاقليمية والعربية الداميه ، بينما تئن موازنة دولته وقدراته الاقتصادية وظروف مواطنيه المعيشية ، تحت وطأة ازمات خانقة باتت تفرز سلوكيات أجتماعية شاذة وغريبه ، في مشهد بات ينذر بالخطر والمجهول ، ويشكل مصدر قلق لكل الناس على إمتداد الوطن كله .
يحدث كل هذا وغيره ، وسط تقلبات وتغيرات وتطورات دولية وإقليمية وعربية متسارعة لا تترك فرصة للمتابع والمحلل والمهتم ، حتى لألتقاط ألانفاس ، فما تراه الليلة ابيضا ، يطلع الصبح وإذا به اسود ، ومن تراهم اليوم أعداء وخصوما ، تراهم في الغد رفاقا متحالفين ، والعكس صحيح تماما ، ويجهد المتابعون للمواقف علهم يستبينون كنهها وحقيقتها ، فيقفون عاجزين تماما عن الوصول الى الحقيقة الراسخة ، وهنا يصبح الحليم حيرانا ، في زمن لم يعد للحلم فيه مكان او حتى سوق أو قبول .
ويقف ألاردن الذي أعتاد أن يؤخذ برأيه لاحقا وبعد فوات ألأوان ، وقفة الحليم الحائر ، فالنار تستعر من حوله وفي تلابيب ثوبه ومن كل ألإتجاهات ، شرقا ، غربا ، شمالا ، وجنوبا ، وليس له وسط الزحام من معين إلا ما ندر كي لا نظلم أو نظلم ً بفتح النون الأولى وضم الثانيه ً ، ويزيد الطين بلة أن جاز التعبير ، عندما يختلط كل هذا ، بإشتداد الجدل والتلاوم وتبادل الإتهامات بيننا هنا في الداخل ، وكأن دنيانا الاردنية قمرا وربيعا وما هي بكذلك ، لا بل ينشغل الكثيرون منا بأمور لا ترقى ألى مستوى الاحداث المرة والمريرة من حولنا ، ويلقي كل منا باللائمة على من هم سواه ، وتنقسم الجموع التي يفترض أن تتوحد طوعا وبلا مقدمات عندما تكون ألاوطان في خطر ، وينآى الكثيرون بأنفسهم عن المشهد صامتين ، بعضهم محبط ، وبعضهم ربما كان سعيدا بالحال ، وبعضهم ربما يرى في ذلك فرصته التي قد تأتي ، أما البسطاء على شاكلتي وغيري كثير وكثير ، فقلوبهم مع البلد وعليه ، وهم يشفقون على من يتولى زمام المسؤولية في هذا الوقت بالذات ، حيث الازمات أكبر من أن تطاق ، وحيث الناس تريد كل شئ ، وهذا حقها ، والعيون بصيرة والايدي قصيره ، ولا أحد ممن عليهم العتب إلا ما ندر ، يتقدم الصفوف ليقول تعالوا نجلس ونتحد لنواجه الآتي معا على قسوته ، وبعدها نتعاتب ، فالظروف اليوم ، مرة وصعبة وجد خطيرة وعلى الجميع .
الاردن اليوم ، بأمس الحاجة إلى رجاله المخلصين للوطن والعرش والحياه ، المتحللين من كل المطامح الخاصة على حساب العامه ، والاردن اليوم بأمس الحاجة الى أن يتوحد شعبه كله من كل المشارب والاطياف لو جاز التعبير ، بعيدا عن التعنصر الهدام والفتن النائمة والمحاصصة المملة والتجاذبات المقيتة والأحتكار الاسود والنفاق الكافر وألإقليمية النتنه ، وإذا ما تخلى بعض الناس عن الاردن ، فإن أهله ، هم ألأولى والاجدر بأن يكونوا معه ، فهو الوطن ، ولا قيمة في هذا الوجود تعدل الوطن ، إلا قيمة الإيمان بالله الواحد الاحد ، والتي تتجاوز في عظمتها كل القيم أيا كانت ومهما كان مبررها .
نعم وبصراحة تامه ، الاردن اليوم ، بحاجة لمراجعة حساباته ، وبما يخدم مصالحه الأستراتيجية ومع الجميع عربا وأجانب ، والاردن اليوم بحاجة الى توسيع قاعدة المشاركة الشعبية الشاملة في تحمل المسؤوليه ، والطيف الإجتماعي والسياسي تحديدا ، هو الطيف الذي لا بد وان يتقدم الصفوف في حمل أمانة المسؤوليه ، ليقرر للاطياف الاخرى وفي مقدمتها التقنية والادارية والفنية منها ، ادوارها في النهوض بالوطن ، ورجال الدولة عتاقى وجدد ، هم من يجب ان تتداخل بينهم الصفوف فى النهوض بأمانة المسؤوليه وبكل الاخلاص والتناغم والانسجام ، شرط ان يكونوا رجال دولة حقا لا مجرد إدعاء وظهور ، والاحزاب التي تدفع لها الدولة لا بد وان يتجلى دورها إفتداء للوطن الذي يظلها ، والعشائر التي يسطع نجم دورها في العراق وسورية وليبيا واليمن بين ثنايا حروب الربيع العربي ، لا بد وان يسطع دورها في الاردن كذلك ، دفاعا عن حاضر ومستقبل الوطن ، ومن يقسمون ناس الوطن أصولا ومنابت يجب أن يتوقفوا، فالاوطان لا تتجزأ إلا إذا إختلف أهلها وارادوا ذلك طوعا ، والاردن وطن كل من يحبه بارضه ومائه وسمائه ونظامه وهويته ، ولا يتردد في الدفاع عنه لحظة الخطر ، والحمد لله رب العالمين ، وهو سبحانه من وراء القصد .